خرجت قضية عمال شركة "سبينيس" إلى العلن على أثر ما نشرته جريدة الأخبار عن تمنّع المدير التنفيذي للشركة، الإنكليزي مايكل رايت، عن تطبيق مرسوم تصحيح الأجور رقم 7426 الصادر عن الحكومة في تاريخ 25-1-2012 حارما بذلك نحو 1500 عامل من حقهم في تصحيح أجورهم، فما كان من العمال إلا أن نظموا عريضة وقعها 115 عامل تطالب إدارة الشركة بتطبيق المرسوم وعمد بعضهم إلى رفع شكاوى إلى وزارة العمل.
إلاّ أن خطوة العمال هذه، قابلتها عدائية من الإدارة التي بادرت إلى الضغط على العمال ليوقعوا على تنازلات عن حقوقهم تحت طائلة الصرف أو النقل، ومن رفض منهم، عمد مدراء ومشرفين إلى التوقيع بالنيابة عنهم بحسب إفادة عدد من العمال. وقامت الإدارة بالفعل بطرد الموظف سمير طوق تعسفيا لدفاعه عن حقه وحقوق زملائه وكان قد سبق صرفه، إصدار الإدارة قرارا "تأديبيا" بحقه "يطبق فوراً ودون أية مراجعة"، يقضي بنقله للعمل في فرع صيدا من دون أية زيادة على الراتب ومن دون أي تقديمات أخرى مثل بدل نقل أو سكن كونه يسكن في بلّونة ولا يمكنه الانتقال إلى صيدا على نفقته. فعمد إلى تقديم اعتراض إلى الإدارة، فردت هذه الأخيرة بإنذار أعقبته بقرار الصرف بعد أن رفع طوق شكوى إلى وزارة العمل.
يقول سمير أنه ليس الوحيد الذي صرف بهذه الطريقة، فالصرف التعسفي سياسة متبعة منذ ما قبل استلام مايكل رايت لموقعه الوظيفي حتى. ومنذ بداية عمل سمير في الشركة عام 2001 تم صرف مئات العمال تعسفا ويذكر حالتان منهما على وجه التحديد. إذ تم في إحدى المرات صرف احد العمال لمصادفة عدم وجوده في مكان عمله لدى دخول المدير التنفيذي. وفي حالة أخرى، أوقف عامل عن العمل لمدة 5 أيام لأنه، لحظة مرور المدير، لم يكن مزررا قميصه عند الرقبة. وفي حالة حصلت قبل يومين تم إيقاف مشرف الأمن في فرع ضبيه عن العمل لأنه شوهد يدخن سيجارة في موقف السيارات!
يقول أحد العمال ويدعى ألبير (اسم مستعار)، أن المدير التنفيذي مايكل رايت "إمبراطور في أرضه"، وواقع الأمر، يخيّل للمرء لدى الاستماع إلى تجارب العمال أن مستر رايت هذا، إمبراطور يفرض قوانينه الخاصة، وليس لأحد حق عليه، يعتريهم الخوف لدى مروره بينهم فيما عليهم تصنّع الابتسام، "كما لو كان صدام حسين يتنزه في بغداد" بحسب وصف عامل آخر، داعين في سرهم أن لا يكونوا قد أخطأوا في أمر من حيث لا يدرون، فيصرفون كما حدث لزملائهم!
وفيما تشير كل المعطيات أن الشركة تحقق أرباحا كبيرة، يقول رايت في معرض دفاعه عن قراره بعدم زيادة الأجور أن "الزيادة غير متيسرة حاليا" بحسب مصدر عمالي، ويضيف المصدر نفسه: " على المدير أن يتذكر أن 70% من موظفينا لا يملكون ما يشترون به مأكلهم بعد السابع من الشهر" في إشارة إلى الأجور الهزيلة التي يحصل عليها الغالبية العظمى منهم. فسليم (اسم مستعار) مثلا يحصل على 900 ألف ليرة بعد مرور 13 سنة على عمله في الشركة.
ويقول سليم أنه كان ليضحي في سبيل الشركة من أجره الهزيل هذا لو أنه شعر أن الشركة تمر حقيقة في ضيق مالي ولو أن مايكل رايت يضحي بالدرجة نفسها. إلا أن هذا الأخير وبحسب العمال، يحصل على أجر (غير محدد) يساوي آلاف الدولارات شهريا، فيما تدفع الشركة مقابل مصاريفه من مأكل وتنقل ومسكن وسفر. فيتساءل أحدهم مستنكراً: "أهذه سياسة شركة تخسر؟! من أين يحصل الهدر الفعلي؟ من العامل الذي لا يتجاوز راتبه مئات آلاف الليرة أم من أولئك الذين يحصلون على مئات الآلاف من الدولارات؟!"
مليار دولار ربح، و"سبينيس" تدعي وجود "ضيقة":
"إيرادات سبينيس ستتخطى المليار دولار خلال عامين، وهي قد شهدت نموا بنحو 20% منذ عام 2007 في لبنان". هذا ما جاء على لسان الرئيس التنفيذي لسلسلة متاجر "سبينيس"، مايكل رايت في تصريح صحفي عام 2011[1].

وفي إطار تصريح رايت هذا نسأل: إن كانت السلسلة تحقق مثل هذا الحجم الضخم من الأرباح الصافية، التي تمكنها من التوسع باضطراد لتحقيق المزيد من الأرباح ، فلماذا تحرم العمال أبسط حقوقهم في الزيادة التي أقرتها الحكومة على الأجور؟ فيأتينا الجواب على لسان أحد العمال: "لأن الشركة تراكم أرباحها على ظهورنا نحن عبر حرماننا من حقوقنا."
تصريح رايت هذا، يناقض تماما ما حاول الإيحاء به للعمال بأن الشركة تمر بأزمة سيزيد من فداحتها زيادة أجر 1500 عامل وموظف في الشركة، وتفضحه كذلك سياسة "سبينيس" ومشاريعها التوسعية، فبحسب تصريح رايت نفسه: "الشركة تخطط لفتح أربعة متاجر أخرى في لبنان وثلاثة في قطر واثنين في الأردن وثلاثة على الأقل في مصر بحلول عام 2013". كذلك، بلغ الإنفاق على المرحلة الأولى من إستراتيجية التوسع في لبنان- إلى حين افتتاح فرع الحازمية في 26 تشرين الأول 2011- ما قيمته 24 مليون دولار أميركي.
ويضيف رايت أن الانتفاضات الشعبية في العالم العربي وكذلك الأزمة الرأسمالية العالمية لن يكون لها تأثير على السياسة التوسعية للسلسلة فـ"تجارة التجزئة لا تتأثر بمثل هذه الأشياء، فالناس لا يستغنون عن الطعام". استفز هذا التصريح ياسمين إحدى الناشطات التي شاركت مؤخرا في الترويج للحملة الداعية لمقاطعة "سبينيس" التي انطلقت منذ نحو الأسبوعين على شبكات التواصل الاجتماعي فايسبوك وتويتر، فتقول:"إن كانت الناس لا تستغني عن الطعام، فإنه ليس من المستحيل أن تستغني عن اسم تجاري، خاصة ما إذا كانت الشركة لا تحترم حقوق العاملين لديها".
في "سبينيس" عمال من دون أجر:
هناك وضع أقرب للسخرة منه للعمل كما تنص عليه القوانين. ففي "سبينيس" 400 عامل[2] موزعين على فروع الشركة ويعملون على توضيب مشتريات الزبائن وتوصيلها إلى السيارات، لا يحصلون على أجر من الشركة مقابل عملهم هذا، بل "أجرهم" عبارة عن "الإكراميات" الني يحصلون عليها من قبل الزبائن. وكما لو أن ذلك لا يكفي، ففي تدبير يمعن باستغلالهم، أجبرت إدارة الشركة كل عامل منهم على أن يعمل يوما كاملا في الأسبوع من السادسة والنصف صباحاً وحتى العاشرة ليلاً "بالسخرة" في التنظيف وغيره. وبالإضافة إلى هذا الإجراء على كل عامل أن يسدد مبلغ 5 آلاف ليرة يومياً للسماح له بالعمل مقابل هذه "الإكرامية". إي أنه فيما يُحرم هؤلاء العمال من حقهم بالأجر ومن الضمان الاجتماعي، يُفرض عليهم أن يدفعوا "خوّة" للشركة لقاء خدمة يقدمونها فيما تحتاج هذه الأخيرة إليها. وكأن ذلك الإجحاف لا يكفي حتى يعمد أحد العمال الأجانب، "المحظي" لدى أحد المتنفّذين الذي يحمي مصالح الشركة، على أخذ "خوّة" مقدارها خمسين ألف ليرة لبنانية من كل عامل يؤمن له"شرف" العمل في الشركة!

وفي خرق آخر لحقوق الأجراء، تبيّن وجود عدد كبير من العمّال والعاملات غير مصرّح عنهم للضمان الاجتماعي ويتقاضى بعضهم دون الحد الأدنى للأجور، فضلاً عن وجود عدد من العمّال والعاملات غير مصرّح عنهم بذريعة أنهم يعملون بدوام جزئي، علماً بأن القانون يفرض التصريح عن كل العمّال مهما كان عملهم أو دوامهم[3].
وفي "سبينيس" عمالة موسمية أيضا:
وفي "سبينيس" معادلة أقرب إلى البؤس والإحباط فمن يحصل على عمل، خاصة قبل مواسم الأعياد الكبرى، عليه أن يتوقع مغادرته قريبا. وقد يعود إليه عند حاجة الشركة إليه، لكن ليس تحت ضغط حاجته هو بالتأكيد! وفي المعادلة هذه، يتحمل صاحب العمل مسؤولية التسبب بأزمة لمئات من العاملين الذين يتحولون حسب ظروف معينة إلى عمال وأصحاب إيرادات شهرية ومن ثم يجلسون على مقاعد البطالة. فيكونون ضحية الرغبة بتخفيف النفقات والتكاليف في وقت ينحسر فيه معدل الربح في فترة ما بعد الأعياد. والمشكلة التي يعاني منها هؤلاء العمال أن عملهم غير متميز لناحية الأجر، أي أن عملهم الموسمي هذا لن يكون قادرا على تغطية باقي الأشهر التي قد لا تتوفر فيها فرصة عمل أخرى. فهي كغيرها تجذب الأشخاص الراغبين بالعمل وتحت أي شرط سواء لجهة ساعات العمل الطويلة أو الأجر الزهيد.

العمال يسعون إلى تنظيم أنفسهم:
في ظل هذا التعسف في الحقوق وفي ظل ما يصفه العمال بـ"مزاجية" المدير الذي يعمد إلى صرف العمال ساعة ما شاء من دون رقيب أو حسيب، بدأ العمال يفكرون جديا في تشكيل إطار تنظيمي ليدافعوا من خلاله مجموعين عن حقوقهم وليتصدوا لأية قرارات تعسفية أخرى في المستقبل. ويقول سليم أن هذه الفكرة كانت تناقش بالهمس وبين أفراد معدودين في السابق، إلا أنه مع احتدام الأزمة أصبحت الفكرة تطرح بشكل جدي أكثر وتناقش على نطاق أوسع، وذلك على الرغم من أنه مع استشعار الإدارة لخطر تنظيم العمال أنفسهم، تزيد من تشددها في مراقبتهم وتوجيه إنذارات مفادها منع أي عمل جماعي.

التمادي في خرق القوانين مستمر:
في 16 تموز بادرت "سبينيس" إلى وضع مبالغ مالية تتفاوت بين الـ15 ألف ومليون ليرة في حساب البعض من الموظفين فيما لم يتقاضاها العديدين. وقد أرادت الإدارة عبر هذا التدبير أن توحي بأن مشكلة الزيادة في الأجور قد حلت. فيما الحقيقة هي أن هذه الزيادة -التي لم يستفيد منها الجميع بعد- وضعت بحسب مقياس مايكل رايت وليس حسب ما أقره مرسوم تصحيح الأجور. ووفقا لأحد العمال، تحاول الإدارة عبر هذا التدبير النفاذ من المحاسبة عبر الإظهار إلى وزارة العمل أنها تعمل "حسب ما اتفقت عليه مع الموظفين الذين تنازلوا "طوعاً" عن الزيادة المُقَرّة قانوناً، فتتصدّق علينا بمبلغ يسكتنا ويعمينا عن الخروقات الفاضحة للقانون بحقنا".

0 comments:



Copyright 2008| FARFAHINNE is powered by Blogger and K2 Beta Two by يساري مصري.
RSS Entries and RSS Comments