"الرجالة فين؟ الستات أهي!" كان هتاف العاملات الذي دوّى في مصنع الغزل والنسيج في المحلّة الكبرى في مصر العام 2006، داعيات زملاءهن الرجال للالتحاق بإضرابهن للمطالبة بحقوقهم. ففتحن بذلك، الطريق لطوفان من حركات الاحتجاج العمالية التي عمّت أرجاء مصر كافة منذ ذلك التاريخ. لتتطور بعدها الحركة وتزداد تنظيماً، خاصة في ظل الحراك الثوري الذي قام بشكل أساسي كرد فعل على البطالة والتهميش وغياب العدالة الاجتماعية.
هكذا، مهدت عاملات مصر لمرحلة تأسيس النقابات المستقلة كبديل من التنظيم النقابي الأصفر، أي الإتحاد العام لعمال مصر الممسوك من قبل نظام مبارك سابقاً، والإخوان المسلمين حالياً.
مشاركة النساء الواسعة هذه، لم تكن تقتصر على مصر. بل إن النساء العاملات كان لهن في البلدان التي شهدت حركات تغيير، من تونس إلى ليبيا فاليمن ومروراً بالبحرين والأردن، إسهامات كبيرة خلال هذه المرحلة من تصاعد وتجذر الحراك العمالي. إلا أن ذلك، لم يكن بالمسار السلس. بل كان ولا يزال، عليهن في خضم حراكهن المذكور، مواجهة الكثير على المستوى الاجتماعي والسياسي العام وكذلك على مستوى الهيكلية النقابية التي تسيطر عليها مفاهيم عمل ذكورية لا تشجع النساء على الاضطلاع بدور قيادي فيها.
فعلى الصعيد العام، شكلت الأصوات التي ارتفعت مؤخراً والمنادية بعودة النساء إلى منازلهن تحدّيا واضحا أمام النقابيات، خصوصاً اللواتي يعملن في القطاعات الأكثر هشاشة، في المهن الأقل مهارة، الأقل مردودية، ومن دون عقود عمل أو مع عقود مؤقتة. ويأتي ذلك في سياق عام يشهد انقضاضاً على مكتسبات النساء في المساواة في تشريعات العمل والدساتير في كل من تونس ومصر خاصة. ويضاف إلى ذلك، معاناة النساء مع القيود الاجتماعية حيث أن المهام التي تؤديها المرأة داخل الأسرة والضغوط الاجتماعية الأخرى تؤثر بشكل كبير على فاعليتها ومشاركتها الكاملة في عملها النقابي وارتقائها في المناصب القيادية.
وفي هذا الإطار تقول النقابية التونسية والناشطة النسوية عواطف شرياق "الوصمة الأخلاقية التي تتعرض لها النقابيات تأتي من المجتمع ومن النقابيين الرجال على حد سواء". إلا أنه "مع مجيء حركة النهضة إلى الحكم والتي أعتبرها امتداداً لسياسة النظام السابق، فقد أصبح الوضع أخطر إذ أنه بالإضافة إلى استهداف الطبقة العاملة عبر سياسات نيوليبيرالية لا تصب في مصلحتها، ثمة استهداف للمرأة كامرأة في المجتمع". والوضع لا يختلف في ليبيا، فتقول النقابية نرمين شريف من الاتحاد العام لعمال ليبيا، أن المرأة كانت مغيبة تماماً عن العمل النقابي: "فقد ارتبط نشاط المرأة النقابي بمجموعة من المفاهيم التي تعتبر أن النقابية منحلّة أخلاقياً". ويأتي ذلك في سياق عام من ضعف الثقافة النقابية في ليبيا على صعيد النساء والرجال معاً. وإلى ذلك، تضيف النقابية الأردنية وجدان أبو الغم من اتحاد النقابات المستقلة، أن مسؤولية تدبير المنزل يشكل تحدياً للنساء اللواتي يرغبن بالإطلاع بدور نقابي أيضاً، وغالبا ما يلقين اعتراضات على أنشطتهن من قبل أفراد عائلتهن وأزواجهن.
والى السياق العام يضاف تحد آخر مرتبط بعمل النقابات نفسها. فغالباً ما تهمل التنظيمات النقابية مهمة تنظيم النساء العاملات والنضال في سبيل أجور وظروف عمل لائقة، وكذا من أجل المساواة التامة مع العمال الرجال. كذلك تغفل التنظيمات النقابية ما تحمله العاملات من إمكانيات دافعة للحركة العمالية نفسها. وهي الإمكانيات التي تقف البيروقراطية النقابية الضيقة الأفق والمحافظة في وجه تطويرها. فمثلاً، وعلى الرغم من أن أعرق منظمة للشغيلة في تونس، أي الاتحاد العام التونسي للشغل، شكل فضاء لطرح قضايا المرأة، إلا أنه على مستوى القيادة النقابية والمكتب التنفيذي للإتحاد لم يكن هنالك يوماً امرأة، باستثناء النقابية شريفة المسعدي مع بداية استقلال البلاد. هذا، على الرغم من أن أكثر من 50% من المنخرطين في المنظمة هم من النساء العاملات بحسب ما تؤكد عواطف شرياق. أما النقابية المصرية منى السيد حبيب من الاتحاد المصري للنقابات المستقلة فتعدد ثلاثة تحديات أساسية على المستوى التنظيم النقابي: "أولا عدم تمكن المرأة من تبوّء المراكز القيادية إلا إذا كانت تتمتع بقوة كبيرة جداً وكافحت طويلاً من أجل إثبات نفسها وهي عليها في هذا الإطار بذل أضعاف ما يبذله الرجل لإثبات نفسها". إلى ذلك يضاف "عدم الاهتمام برأيها، أي إسكاتها بمعنى آخر". وأخيراً "نظرة الرجل النقابي لها على أنها كامرأة نقابية "غير طبيعية"، أو تقوم بعمل لم يخلق لها أساساً".
هذا بالإضافة الى التحديات الخاصة في كل بلد من البلدان العربية التي شهدت حركات تغييرية. فبالنسبة للنقابية البحرينية نجاة عبد الحسين فإن التحدي الأبرز حالياً يبقى استهداف السلطات البحرينية للنقابيين والنقابيات على السواء، وسياسة الصرف التعسفي التي تستهدفهم على قاعدة نشاطهم في الثورة البحرينية.
وعلى عكس ما تدعي بعض الأوساط من أن عزوف المرأة عن القيادة النقابية هو نتيجة للا مبالاتها أو لعدم قدرتها على الإضطلاع بهذا الدور، للمسألة علاقة بمشاكل هيكلية أعمق تبدأ من عقلية المجتمع الذكورية ولا تتوقف عند ذكورية البنى النقابية الموجودة. وعلى الرغم من ذلك، فإن العاملات والنقابيات يخضن نضالاً مستمراً من أجل حقوقهن في العمل ومن أجل دمقرطة النقابات والمجتمع ككل. ولذلك يقمن بالعديد من المبادرات - لا مجال لاستعراضها ههنا- من أجل ردم فجوة النوع الاجتماعي بسياسات النقابات. ولتبيان أن المرأة العاملة ترغب بالعمل النقابي، فهو يبقى وسيلتها للدفاع عن حقوقها ولحل مشاكلها وتحقيق القدر الممكن من مطالبها.
0 comments:
Subscribe to:
Post Comments (Atom)