عدوى الإضرابات النقابية لن تتوقف عند حدود القطاع العام، فها هو رأسها بدأ يطل في واحد من أهم القطاعات الاقتصادية في لبنان، القطاع المصرفي. هذا ما يفهم من المؤتمر الصحفي الذي عقده صباح الجمعة اتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان. رئيس الاتحاد جورج الحاج أعلن انتهاء "زمن الحوار" وبدء "ساعة المواجهة" دفاعاً عن عقد العمل الجماعي، داعياً الموظفين إلى المشاركة في كل التحركات التي سيدعو إليها الاتحاد والتي ستبدأ من مدينة طرابلس نهاية الأسبوع المقبل ومع اعتصام مركزي أمام مصرف لبنان بداية شهر نيسان.
مما لا شك فيه أن زخم الإضراب المفتوح لهيئة التنسيق النقابية انعكس صداه إيجاباً لدى موظفي المصارف وشجعهم على اتخاذ قرار بالتحرك. وينتظر إعلان الإضراب في المصارف إعلان وزارة العمل رسمياً فشل الوساطة حول تجديد العقد، التي يبدو أن تأخير إعلانها مقصود بهدف منع، أو أقلّه تأجيل ما هو مكتوب: أي الإضراب. فهذا الأخير يعد قانونياً حصراً متى أعلن عن فشل الوساطة، عندها يصبح الإضراب عن العمل حقاً مشروعاً للموظفين. المفاوضات مع جمعية المصارف هذه كانت قد مرّت بمراحل عدة، وصولاً إلى الوساطة في وزارة العمل بداية شهر كانون الثاني 2012. أما النتيجة فكانت فشل كل آليات التفاوض بسبب موقف جمعية المصارف الرافض لتجديد العقد. هذا، على الرغم من تنازل الاتحاد عن عدد من الحقوق المكتسبة التي تمتع بها الموظفون طوال سنين ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تعديل دوام العمل للموظفين ليصبح 40 ساعة أسبوعياً بدلاً من 35 دون مقابل للساعات الزائدة.
أمّا أبرز نقاط الخلاف مع جمعية المصارف فهي: أولاً ما هو متعلق بنظام الرواتب وتطبيق مراسيم غلاء المعيشة على الأجور الإضافية التي يتقاضاها موظفو المصارف فصلياً وتطبيق الزيادة المقررة في مرسوم غلاء المعيشة الصادر في كانون الثاني 2012. ثانياً، زيادة المنح المدرسية والجامعية بما يتناسب مع الزيادات التي طرأت على الأقساط المدرسية. ثالثاً، تعديل قيمة تعويض النقل. رابعاً، رفض مقترح جمعية المصارف بزيادة دوام العمل إلى 42 ساعة كحد أدنى و48 ساعة كحد أقصى. خامساً، التمسك بالزيادة الإدارية على الراتب بنسبة 3% كل سنتين لكل موظف. سادساً وأخيراً، تطبيق نظام الاستشفاء بعد التقاعد.
طبعاً، إعلان الإضراب لن يكون بلا تحديات، أهمها أن موظفي المصارف الثلاثة الكبرى في لبنان غير منتسبين لنقابات. إلّا أن اتحاد نقابات موظفي المصارف يبدو واثقاً، على الرغم من هذا المعطى، من إمكان شل القطاع إذا ما تمادت جمعية المصارف في تعنتها، لجهة عدم توقيع عقد العمل الجماعي. إذ يضم الإتحاد موظفين في 55 مصرفاً من أصل 60، ويأمل الداعون إلى الإضراب من زملائهم في بنك عودة وبيبلوس وفرنسبنك، الإنضمام إلى من يناضل من أجل عقد عمل يستفيد منه جميع موظفي المصارف من دون استثناء. صرخة تطلقها نقيبة موظفي المصارف في الشمال مهى المقدم عبر "المدن": "نحن محميّون بالقانون، ممنوع المس بحقوقكم. أي بنك سيجرؤ على المس بموظف سنعلن عليه الحرب وسنسميه بالإسم. سنعلنها حرب شعواء فالموظف بالنسبة لنا خط أحمر".
هكذا، إذن، أعلن موظفو المصارف عن استعدادهم لوضع ربطات العنق جانباً، والنزول إلى الشارع للمطالبة بحق مكتسب مهدّد بسبب جشع المصارف وشهيتها المفتوحة على أكل حقوق عمالها وموظفيها. كما أعلنوا رفضهم بأن يكون استقرار القطاع على حسابهم وعلى حساب حقوقهم، وأن لا شيء سيثنيهم عن قرار الإضراب إلا توقيع جمعية المصارف على تجديد عقد العمل الجماعي. فأهلاً بهم في معترك الاحتجاج النقابي.
0 comments:
Subscribe to:
Post Comments (Atom)