12/06/2012



أنا العاملة التي انتصرت لتوّها على منظومة اقتصادية رأسمالية طائفية عفنة، أرادت أن ترميني في البطالة معرّاة من أي حق أو تعويض. أنا المياومة التي أضربت لواحد وأربعين يوماً، في خيمة صغيرة، مع رفيقاتها ورفاقها المياومين والمياومات، إلى أن خضعت لي الخصخصة الجشعة، وأقرت مطالبي كما هي: التثبيت وإجراء المباراة المحصورة لكامل العدد، 2300 عامل وعاملة. أنا التي ادخرت ألف ليرةٍ ثمينة طيلة أيام الإضراب من مصروف عائلتي، لأشتري بها علبتي عصير ضيافة للمتضامنين مع خيمتي الفقيرة. أنا التي فتحت كوّةً في قدرٍ من الطائفية والوحشية وضرب الصحافيين والنقابات والاتحادات الغائبة عن الساحة وعن الوعي، والإعلام المسموم والقوانين العنصرية والقمعية والتوقيف العشوائي والعملاء المحررين والفساد والأفواه المكمومة خوفاً أو تواطؤاً، والحوارات الكاذبة والشباب المهاجرين أو المسلّحين وقوانين الانتخاب المعدة لإنتاج الواقع العفن ذاته، والتغيير الذي لا يأتي أبداً. أنا التي مهّدت الطريق أمام كل ذات حقّ وذي حقّ، من المياومين والعمال والطلاب والمظلومين والفقراء والنساء والرازحين تحت ثقل الرصاص اليومي، ليتحركوا.

أنا المرأة العاملة التي لن أبقي حكاية تعنيفي بين أربعة حيطان، لأني بتّ أعرف أهمية الكلام في العلن. أنا التي أعرف أن ما من مسلّمات جامدة ووقائع يائسة، وأن عليّ النضال لحماية جسدي وجسد ابنتي وأمي وأختي. أنا التي لو هدّدني زوجي العنيف بالفضيحة، سأسبقه إليها وسأقول له: كما فضحنا الدولة أنا ورفاقي العمال وحصلنا على حقوقنا، سأفضحك أنت كي أحصل على حقي. من يمارس العنف على النساء والظلم على العمال هو من يستحق الفضيحة، وليس العكس. الآن، بت أعرف أن للخروج إلى العلن وإحداث ضجة دوراً جوهرياً في قضيتي.

أنا المرأة العاملة التي سأقول للجنة الفرعية التي تدرس مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري، أن نسف القانون من خلال تعميمه على جميع أفراد الأسرة بدلاً من تخصيصه الإناث، يشبه تطبيق قانون ضريبي واحد على المياومين والوزراء بصفتهم جميعاً موظفي دولة، بهدف إحلال "العدالة والمساواة" بينهم. وسأقول لهم إن تجريم الأذى الجسدي الناتج عن "الإكراه على الجماع"، بدلاً من تجريم فعل الاغتصاب نفسه، يشبه السماح بطردنا من وظائفنا من دون أي تعويضات، شرط ألا تبدو على وجوهنا علامات الجوع. وسأقول لهم إن ربط إثباتي كزوجة لواقعة اغتصابي بفترة تعطيلي عن العمل بتقرير طبي، يشبه ربط إثبات مظلوميتنا كعمال بفترة تعطيلنا الناتج عن الجوع، بتقرير طبي.
وأنا التي سأسأل نواب اللجنة الفرعية التي أبقت على نص المادة 26 التي تلغي أحكام القانون في حال تعارضها مع "أحكام قوانين الأحوال الشخصية وقواعد اختصاص المحاكم الشرعية والمذهبية": هل تعون ما تقولون؟ هل تعون كم باتت مسودة القانون نكتة مبكية بعد تعديلاتكم؟ هل تعون أنكم ترمون كل جهودنا وصبرنا وحكاياتنا التي تقطر نساء مقتولات ومغتصبات ومعنّفات، في القمامة جبناً وخوفاً من الضغوط للحفاظ على مناصبكم؟ وسأسأل رفاقي العمال: هل كنتم لترضوا بقانون يطبّق عليكم كالذي وصفت للتوّ؟ بمعرفتي بكم، أؤمن أنكم لن تفعلوا، بل كنتم لتستمروا بالإضراب المفتوح في الخيمة الفقيرة.
أنا العاملة المرأة التي تعرف كم يشبه اغتصاب حقوق العمال، اغتصاب أجساد النساء. أعرف أن من ينتهك جسدي بالقوة وبكبرياء وتعجرف متكئاً على ديناميات القوى التي تعطي الأفضلية الساحقة للرجال، هو نفسه من ينتهك حقوقنا كعمال وعاملات، متكئاً على ديناميات القوى التي تسلّط الشركات الكبرى الفاحشة الثراء وحماتها على رقاب الكادحين والكادحات. أعرف أن اللجنة الفرعية أمس، هي شركة الكهرباء ووزارة الطاقة والمياه اليوم، وأن شركة الكهرباء هذه ستتخذ شكلاً آخر غداً، يوم أطالب بحقوق معيشية أخرى أو بقانون جديد يحميني من العنف الأسري، لكنها ستكرر المضمون ذاته في وجه خيمتي الفقيرة وضيافتي الهزيلة: لا حقوق لك هنا، فلتعودي إلى المنزل. لكني بتّ أعرف أني لن أعود بسهولة، وأني سأحصّل حقوقي.
أنا المرأة العاملة أعرف أن هذا النظام السياسي القانوني الاقتصادي الفاسد والظالم، هو جبهة واحدة في مواجهة الشعب، رجالا ونساء، عمالاً وعاملات. وأعرف أنه مثلما قمع المعلمين والمعلمات ومياومي الكهرباء بالأمس، سيقمع غداً موظفي المياه وموظفي الشركات الخاصة والكبرى حين يطردون بأياد خاوية، وهو الذي يقمع النساء اليوم. هو نظام واحد، يقمع كل أشكال النضال والتغيير حرصاً على استمراريته وحفاظاً على مكتسبات صانعيه وحماته. هكذا، يغدو نضال النساء نضالا شعبياً وعمالياً، وليس نضالاً للنساء فقط، لأنه غير موجه ضد الرجال، بل ضد هذا النظام القمعي الذي يستخدم أساليب القمع المتنوعة والمبتكرة في وجه كل حلم ثوري بالتغيير، سواء أتى من العمال أو العاملات، من الطلاب أو من المعلمين، من الرجال أو من النساء.
أنا المرأة العاملة سأقول لرفاقي العمال من الرجال: لا تسمحوا لهذا النظام بتفريقنا، لا تتوهموا أن قوتكم هي في سطوتكم على النساء، بل هي في وحدتنا معاً في وجه هذا النظام القمعي. لا ترضوا بمكتسبات قمعية غير محقة، تشبه الكسب غير المشروع للطبقات الثرية، يتركها لكم هذا النظام لتتوهموا أنكم أقوياء، وليكسب رضوخكم وصمتكم المؤقت. أنتم تعرفون طعم القمع الذي وقفنا في وجهه يداً بيد في تلك الخيمة الفقيرة حتى انتصرنا، وستعرفونه كثيراً في المستقبل، إن لم نتّحد معاً في كل تحرك مطلبي وتغييري.
فأنا العاملة المرأة التي أؤمن أني سأعود إلى خيمة إضراب مفتوح قريباً، في مكان آخر غير مبنى شركة الكهرباء، من أجل قانون غير مشوّه، يحميني من العنف والاغتصاب الزوجي بدلاً من أن يسخر مني بوضعي تحت رحمة مواد مشوهة وأحكام المحاكم الشرعية والروحية. أنا المرأة العاملة، التي سأعود إلى خيمة إضراب مفتوح قريباً، ومعي رفاقي ورفيقاتي العمال والعاملات، بعدما انتصرنا معاً.
فنحن معاً، نعرف كيف نحيي إضراباً لأكثر من أربعين يوماً في وجه سلطة عاتية متعجرفة، نعرف معاً كيف نواجه ونستمر ونصمد ونصرّ. نعرف معاً أنه ليس لنا إلا بعضنا، وأن الفقر والعنف وجهان لسلطة واحدة. لقد بتنا نعرف أن ما فعلوه بنا كعمّال، من تهديد وتشهير وتعتيم وتحقيقات، سيفعلونه بالنساء المعنفات المطالبات بحقوقهن، ولا بد لنا أن نكون معهن لأننا نعرف كيف نستمرّ، بعد كل ضربة نتلقاها.
أنا المرأة العاملة، سأبقي خيمتي الفقيرة تحت إبطي، إلى يوم قريب ينادونني فيه لأفتحها مجدداً وأصرخ: الإضراب مشروع مشروع، ضد العنف وضد الجوع.

0 comments:



Copyright 2008| FARFAHINNE is powered by Blogger and K2 Beta Two by يساري مصري.
RSS Entries and RSS Comments