أحب القصص الخرافية، كقصص الساحرات والأقزام والجن، وقصص الحرية العربية! ومن هذه القصص، قصة الحرية في لبنان، لدينا رئيس جمهورية، مجلس نواب، حكومة.. لا ينقصنا إلا… دولة! دولة تضمن حقوقاً مدنية، تضمن قداسة أكبر من قداسة الرئاسة وهيبة الجيش وقداسة الطوائف، قداسة يقال لها: حرية التعبير، تكون خارج مصيدة القانون البدوي للمطبوعات والإعلام، وخارج قناع ديكتاتورية المذاهب والمصارف والمخافر، حرية تعبيرٍ على حجم القرن الواحد والعشرين، لا على حجم جزمة ظابط، أو عمامة رجل دين.
يقال في كل العالم، أن ثمة ملاك حارس لكل مواطن، إلا في بلادنا، ثمة لكل مواطن مخبر حارس، لا أعرف من صاحب الفضل عليّ في أوّل استدعاءٍ رسميّ إلى مركز مخابرات عربية، بعد أن جربت الفرنسية سابقاً، ولكنني الآن أستطيع بوضوح أن أحدد مكمن الخلل في لبنان: لا عجب أن الأمن الوطني غير ممسوك، فالمخابرات اللبنانية مشغولة بمسك المواطن من أذنيه، كي لا يقلق نوم الرؤساء على جماجم الفقراء.
إنزعج بعض زبانية القصر الجمهوري البعيد عن أجواء عتمة المنازل ليلاً، وفراغ أمعاء الأطفال نهاراً، وعطالة نصف شبابنا عن العمل، إنزعجوا من بعض ما كتبت مدوناً، ربما كنت بحجة الغضب قاسياً في بعض مقالاتي، لاذعاً، ساخراً، وأحياناً كثيرة شاتماً، قيل لي في التحقيق ذلك، ولكن المؤسف، المضحك، أن المحقق لم يقل لي أني كنت مخطئا، فلان سرق، فلان قتل، فلان ذبح، فعلى ماذا أندم؟ ولماذا أعتذر؟ لا أعتذر. ثم بالله عليك يا زميلي في الجوع إلى الحرية، إلى الوطن، إلى الرغيف، أيها القارئ: علام أخاف؟ على أن يحرموني في الزنزانة نعمة التأمل في جمال الخريطة اللبنانية الآخذة في التصحر؟ أو على حريتي في قول ما أشاء كي تفعل بعدها سكاكين الطوائف وميليشياتها فيّ ما تشاء؟ أو أخاف على فرص العمل المفتوحة أمامي منذ سنين لحد الحيرة؟ إلى ماذا سأشتاق إذا حدث ما هُدِّدت به من ملاحقة قضائية؟ أأشتاق إلى وطنٍ مسروق معروض للبيع في سوق النخاسة المصرفية؟ أو أشتاق إلى مساحة رأيٍ يحدها من الشرق قضاءٌ أعوج ومن الغرب هراوة شرطي أهوج؟ أو أشتاق إلى أبٍ وأمٍ منشغلان عن عاطفة العائلة البدائية، بتأمين مصروف المنزل رغم سيف رب العمل المحمي من حكومة وحدةٍ متفقة على أكل أحلام الفقراء؟
إليك يا سيدي الظابط، يا صديقي المخبر، يا عزيزي العماد: الجندي الحقيقي، هو الذي يحييه المواطن احتراماً، لا خوفاً.
إلى الناشطين السياسيين والإعلاميين: إن خلاصة هذه المرحلة البذيئة، من قمع مظاهرة السفارة المصرية، إلى ملاحقة الصحفيين، وصولاً إلى استدعاء المدونين: في هذه البلاد، أجهزة الأمن تحرس أمن السفارات، والسفارات تلهو بأمن البلاد.
إلى المواطن العربي المريض سياسياً: لا تقلق إن كان ضغطك واطياً، ثمة أنظمةٌ وأجهزة بأمها وأبيها، من ساسها لراسها، واطية!
على الأشجار نكتب، على خشب البواريد ، على حيطان الزنازين ، على أعواد المشانق، على بلاط القبور، على عبسة جبين المخبر، على كلّ شيءٍ سنكتب، لنبقى أحراراً، ضد النظام، ضد الفوضى.
أخيراً: وزارة الجوع تحذّر: القمع والتهديد يؤديان إلى نتائج خطيرة ومميتة.
للمزيد حول الموضوع إضغط هنا وهنا