أعدت هذه الدراسة المطولة، التي ننشر مقتطفات أساسية منها، بالتعاون مع مؤسسة

(PROSVIL)

الايطالية، من دون طلب الاتحاد العمالي العام. لكنها لاقت تجاوباً من معظم القيادات النقابية الممثلة في الاتحاد.
كثرت في السنوات الأخيرة الماضية، الدراسات والمقالات والتصريحات التي تشير الى خلل عميق في ديموقراطية الاتحاد العمالي العام واستقلاله وفاعليته، مشدّدة على ضرورة تطويره تنظيماً وأداء، كي يتمكن من لعب دور المدافع عن حقوق العمال والموظفين في ظل شروط اجتماعية-اقتصادية صعبة، فرضتها عولمة الاقتصاد والظروف الخاصة للبلد الخارج من حرب اهلية والمتخبط في أزمات سياسية دورية. لكن الاتحاد العام لم يتجاوب مع هذه الدعوات، بل راح بعكس ذلك، يراكم عناصر الخلل في هيكليته وسلوكه، محجماً عن أي مبادرة جدية لمعالجة مشكلاته. باستثناء اقرار نظام داخلي جديد اكثر ديموقراطية، أُعد العام 1992، جرى التنكر له بعد أقل من سنة، وصياغة مشروع هيكلية نقابية جديدة العام 1995 لم يُبذَلْ اي مجهود من اجل اعتماده، اقتصرت مبادرات الاتحاد العمالي العام على تأليف لجان لإعادة النظر في تنظيمه وهيكليته، تبين بالممارسة انها كانت مجرد اجراءات شكلية لم تواكبها ارادة فعلية للوصول الى مقترحات عملية لتطبيقها.

الجمود والممانعة

مقارنة بالحركات النقابية حول العالم، يبدو الاتحاد العمالي العام في لبنان أكثر الاتحادات الوطنية سكوناً وتمسكًا بقديمه. ففي حين عمّت العالم – حتى بعض البلدان العربية – مراجعات للبنى والاساليب النقابية تحت وطأة التراجع في العضوية والفاعلية النقابية التي أحدثتها العولمة، بقي الاتحاد العام اللبناني مثابراً على اعتماد اساليبه القديمة التي أثبتت عدم جدواها ومضارها في حق العمال والموظفين. لا بل أن الاتجاه العام في سلوكه يؤشر الى تضخيم مشكلاته أكثر فأكثر: استيعاب المزيد من الاتحادات ذوات الصفة الحزبية والمذهبية والانخراط في تحركات ذات اغراض سياسية لا تعود بالمنفعة على العمال والموظفين.
ولم تخلُ السنوات الاخيرة من مبادرات وتصريحات للقيادات النقابية في ضرورة تطوير الاتحاد العمالي العام، لا سيما في هيكليته، لكنها جاءت في معظمها على خلفية الانقسامات الدورية التي شهدها الاتحاد العام، وما فتئت هذه المبادرات ان انكفأت لصالح تسويات انحصرت بإعادة توزيع المواقع في هيئة المكتب التنفيذي للإتحاد، واضعة جانباً الاصلاحات البنيوية. وهذا ما يبدو انه قد يتكرر في المحاولات الجارية الآن لتوحيد الاتحاد العام بعد الانقسامات الأخيرة التي تقاطعت مع الاصطفافات السياسية في البلد بين فريق 8 آذار وفريق 14 آذار.
العاملون على تطوير الاتحاد العام اصطدموا بهذا الجمود، بل بالممانعة ضد التغيير. وكان التفسير الأبرز لهذه الممانعة مصلحة معظم الاتحادات النقابية المكونة للاتحاد العام في الابقاء على الواقع كما هو محافظة على مواقعهم من جهة، وتحصيناً للتوجه السياسي للاتحاد العام، القابل للتوظيف في الأزمات السياسية في البلد، من جهة ثانية. كل هذا في ظل تدني نسبة العضوية في الاتحاد وغياب الآليات الديموقراطية، ما يحول دون محاسبة القيادات النقابية وحثها على تطوير أدائها وفاعليتها.
ويترافق هذا التمسك بالمحافظة على الواقع كما هو مع عدم القدرة على الدفاع عن هذا الواقع من وجهة نظر نقابية: فتنظيم الاتحاد يفتقر الى أبسط القواعد الديمقراطية، وعجزه عن تحقيق المطالب العمالية مزمن وواضح للعيان، ووقوعه تحت التأثير الكامل للاحزاب السياسية لا يمكن اخفاؤه. هل تفسر هذه المفارقة الصمت النقابي الثقيل عن ضرورة تطوير الاتحاد العمالي العام الذي يشهد بعض الاندفاعات الطارئة التي لا تلبث ان تنكفئ، كأن شيئًا لم يكن؟ وكيف ينعكس ذلك على آراء القيادات النقابية في الاتحاد العمالي العام في شأن مسألة تطويره؟
سعت هذه الدراسة الى استجواب الصمت النقابي بهدف الحصول على آراء القيادات النقابية في مسألة تطوير الاتحاد، والدراسة تندرج في اطار برنامج يعمل على تطوير الحركة النقابية اللبنانية عبر التعرف على حاجاتها.

المعوقات وأسبابها

جمعت آراء القيادات النقابية، من خلال إجراء مقابلات مع واحد من ممثلي كل اتحاد عضو في المجلس التنفيذي التابع للاتحاد العام. وأجريت المقابلات عن طريق استخدام استمارة اعدت لهذا الغرض وتضمنت عدداً وافياً من الاسئلة المفتوحة والمغلقة. وشملت الأسئلة كل جوانب العمل النقابي من زوايا ثلاث: فاعلية التنظيم، ديموقراطيته واستقلاليته.
كان لافتاً تجاوب معظم القيادات النقابية مع المحققين في الدراسة: 44 قيادياً نقابياً يمثلون 44 اتحاداً من اصل 52 أجابوا على اسئلة الاستمارة، اي ما يعادل 85 في المئة من الاتحادات المكونة للاتحاد العام. وتتوزع الاتحادات المتجاوبة بين اتحادات مشاركة حالياً في اجتماعات الاتحاد العام (31 اتحاداً) واتحادات مقاطعة لاجتماعاته (13 اتحاداً) اي 70,5 في المئة من المشاركين و29,5 في المئة من المقاطعين، وهي النسب التي تميز المشاركين عن المقاطعين حالياً. كما تتوزع الاتحادات وفق نوع الاتحاد على الشكل الآتي: 11 اتحاداً عاماً، 20 اتحاداً قطاعياً، 11 اتحاداً جغرافياً واتحادان قطاعي - جغرافي.
جواباً عن سؤال مباشر وبسيط: "هل هناك حاجة لتطوير الاتحاد العمالي العام؟"، تكاد القيادات النقابية تجمع (95 في المئة) على ان هناك حاجة لتطوير الاتحاد العام! وفي حين يرى بعض القيادات (13,5 في المئة) أن التطوير يجب أن يشمل كافة المجالات من دون تحديد. وتعدّد الاجوبة الأخرى المجالات التي تحتاج الى تطوير: الهيكلية، التنظيم، الادارة، العضوية، الاعلام، المطالب والبرنامج، التدريب، الامكانات المادية، الفاعلية، الاستقلالية عن السياسة، القوانين والتشريعات.
التطوير ضروري ومجالات العمل كثيرة، ما الذي أعاق أو يعوق المبادرة اذن؟ النقابيون يعددون الاسباب: التدخل السياسي الحزبي، سياسة الدولة، الوضع العام في البلد، الاحتلال والاعتداءات الخارجية على سيادة لبنان، عدم وجود نية للتطوير، المنافع الشخصية، ضعف العنصر البشري في النقابات، عدم توافر الامكانات، عدم وجود دورات تدريبية. لكنهم بأكثرية كبيرة (70,5 في المئة) يشيرون بالاصبع الى سبب رئيسي: التدخل السياسي الحزبي! ويأتي الوضع العام في البلد (29,5 في المئة) وسياسة الدولة (15,9 في المئة) مباشرة بعد السبب الرئيسي، كسببين يعوقان التطوير، في حين لا تحصل الاسباب الاخرى الا على نسب جد بسيطة!.
يجمع بين الاسباب الرئيسية طابعها "السياسي" و"الخارجي" (ولا نعرف بعد ما اذا كان "التدخل السياسي الحزبي" ينظر اليه كعامل خارجي او داخلي-خارجي). وتبدو هذه المعوقات الاساسية ذات صفة قاهرة نوعًا ما، تحتاج ازالتها الى قدر من المواجهة، في حين ان الاسباب غير "المهمة" تتطلب مبادرات أكثر قابلية للتنفيذ من دون جهود كبيرة. والسؤال البديهي هنا: لماذا يحجم النقابيون عن التصدي للنوعين من الاسباب، لاسيما لتلك التي لا تتطلب مواجهات صعبة؟

التحركات والمطالب

لا يعترض النقابيون على القول بأن قلة من العمال والموظفين يشاركون في الاعتصامات والتظاهرات والتحركات التي يدعو اليها الاتحاد العام. وهم يميلون في تعليلهم ضعف المشاركة الى تحميل الاتحاد العمالي العام المسؤولية. ففي حين تعتبر نسبة قليلة ان العمال هم السبب في ذلك، اما لعدم "وعيهم العمل النقابي" (11,4 في المئة)، أو "لتوجهاتهم السياسية" (13,6 في المئة)، ترى النسبة الأكبر أن المشكلة تكمن في الاتحاد نفسه، اما لأن لا ثقة به (34,1 في المئة) أو لأن تحركاته مسيسة (27,2 في المئة) أو لأنه لا يمثل الا نسبة قليلة من العمال (9,1 في المئة).
لا يتوقف النقابيون عند أساليب التحرك وتنظيمه. 6.8 في المئة فقط يعزون عدم المشاركة الى قلة التواصل مع القاعدة! هل يعني ذلك أن الباقين راضون عن النشاط التعبوي والتنظيمي ابان الاعتصامات والتظاهرات؟ على الاطلاق! فـ 61,4 في المئة من المستجوبين غير راضين عن النشاط التعبوي، رغم أن هذه النسبة تقل لدى المشاركين (48,4 في المئة) وتزيد بشكل كبير لدى المقاطعين (92,3 في المئة). كذلك ترتفع نسبة عدم الرضى لدى الاتحادات العامة والجغرافية (72,7 في المئة) بالمقارنة مع الاتحادات القطاعية (50,0 في المئة). هل يعكس ذلك عدم رضى عن النفس، لاسيما في اتحادات يعرف عنها تشتتها النقابي والقطاعي.
رغم عدم رضاهم عن النشاط التعبوي، لا يعطي النقابيون لهذا العامل اهمية بالمقارنة مع العوامل الاخرى التي تحول دون مشاركة العمال والموظفين في تحركات الاتحاد العام. أهي محاولة لرفع المسؤولية عن الذات، من حيث الجهد المطلوب لاعادة ثقة الناس بالاتحاد؟ أم ان النقابيين أنفسهم لا يثقون بالتحركات التي يدعون اليها ولا حاجة الى بذل المجهود لانجاحها؟
يتضح الموقف أكثر اذا نظرنا الى المسألة من زاوية الانتساب الى النقابات. يقر معظم النقابيين (84,1 في المئة) ان نسبة الانتساب الى الاتحاد ضعيفة، وليست جيدة (2,3 في المئة) وغير مقبولة (9,1 في المئة). لكن رغم علمهم الاكيد بأن الانتساب النقابي يمر عبر النقابات والاتحادات وليس عبر الاتحاد العمالي العام، تراهم عندما يُسألون عن اسباب تدني نسبة الانتساب، يعزون ذلك بأكثريتهم (59.1 في المئة) الى "عدم ثقة العمال بالاتحاد العام".
هذا التجاهل لاهم المهام في عملية استقطاب وتنسيب العمال، والتي هي في صلب مسؤولية النقابات وليس الاتحاد العام، سرعان ما يتبدل عندما يسأل النقابيون عما يقترحونه لزيادة نسبة الانتساب الى النقابات. فتأتي مقترحاتهم مهمة ومتنوعة في مجال التنظيم (الهيكلية النقابية، وديموقراطية النقابات وحريتها واستقلاليتها، وتشريع حق القطاع العام في التنظيم)، وآليات التنسيب (الانتساب الاجباري، التوعية النقابية، اللقاءات الميدانية مع العمال، تفعيل دور النقابات في المؤسسات، انشاء لجان تنظيم وتنسيب للعمال، حملة اعلامية...)، والخدمات للعمال (تحقيق المطالب...).

جدول بالمقترحات لزيادة نسبة الانتساب الى النقابات.


الاقتراح النسبة
الانتساب الاجباري 13.7%
اليات تعيد الثقة بالحركة النقابية 11.4 %
حملة اعلامية 6.8 %
التوعية النقابية 11.3 %
تشريع يحمي المنتسبين الى النقابات 4.5 %
لقاءات ميدانية مع العمال 13.6 %
الهيكلية النقابية 13.6 %
تفعيل دور النقابات داخل المؤسسات 2.3 %
تحقيق المطالب 27.2%
تشريع حق القطاع العام بالتنظيم النقابي 4.5 %
لجان تنظيم وتنسيب للعمال 2.3 %
ديمقراطية وحرية واستقلالية النقابات 4.5 %
لا جواب 2.3 %


ما هي الاولويات الثلاث التي يجب ان يركز عليها الاتحاد العام في تحركاته؟ أجوبة النقابين شملت العديد من المطالب وقد ادرجناها ضمن الترتيب الآتي وفق الاولوية (بعد احتساب ثقل كل منها): -1 الضمان الاجتماعي (الذي يتقدم بكثير من كل المطالب الاخرى). 2- الحد الادنى للأجور. 3- ديمومة العمل. 4- الاجور. 5- خفض الضريبة على المحروقات. 6- غلاء المعيشة. 7-حماية العامل اللبناني. 8- تحسين الوضع المعيشي. 9- مواجهة الخصخصة. 10- خفض الرسوم والضرائب. 11- تطوير قانون العمل. 12- حماية المكتسبات. 13- العقد الجماعي. 14- فرص العمل. 15- بناء بنية اقتصادية جديدة. 16- مساعدات للقطاع الزراعي. 17- تأمين المدارس والنقل.
تتصدّر اللائحة المطلبية ما يمكن وصفه بضمانات الحد الادنى: الضمان الاجتماعي، الحد الادنى للاجور، ديمومة العمل. تأتي بعدها المطالب التي تحسّن المداخيل وتحميها من الغلاء والمنافسة (الاجور، خفض الضريبة على المحروقات، غلاء المعيشة، حماية العامل اللبناني تحسين الوضع المعيشي). في آخر سلم الاولويات تأتي المدارس والنقل والبنية الاقتصادية وفرص العمل. وقبل ذلك بقليل ما يضمنه التشريع من حقوق ومكتسبات، أكان قانوناً للعمل أو عقداً جماعياً.

أشكال التنظيم

يتألف مجلس المندوبين في الإتحاد العام من أربعة مندوبين عن كل اتحاد، والمجلس التنفيذي من مندوبين عن كل اتحاد. لا مانع في أن يكون مندوبا المجلس التنفيذي من بين مندوبي مجلس المندوبين. لا علاقة انتخابية بين المجلس التنفيذي ومجلس المندوبين. المجلس التنفيذي هو الذي ينتخب المكتب التنفيذي رئيسًا وأعضاءً. البعض يطلق على هذه الصيغة التنظيمية الصفة "الكونفدرالية" لنوافر مبدأين فيها: ممثلو الاتحادات منتدبون وليسوا منتخبين، تمثيل متساوٍ للاتحادات في هيئات الاتحاد العام بغض النظر عن عدد المنتسبين. تفتقر هذه الصيغة الكونفدرالية الى مبدأين اساسيين يقوم عليها التنظيم الديمقراطي: انتخاب الهيئات الدنيا للهيئات العليا (بين مجلس المندوبين والمجلس التنفيذي مثلاً) والتمثيل النسبي، أي تمثيل الاتحادات في هيئات الاتحاد العام نسبة الى عدد المنتسبين الى هذه الاتحادات. ومما يضاعف من هذا الخلل الديمقراطي، أن الاتحادات المكونة للاتحاد العام – والذي يشكل ممثلوها الوحدات الانتخابية – هي اتحادات متقاطعة مع بعضها البعض من خلال نقاباتها: فتجد النقابة ذاتها في اتحاد قطاعي وآخر جغرافي وثالث عام. مما يشوه مفهوم التمثيل نفسه القائم على افتراض وجود وحدات مستقلة عن بعضها البعض بنقاباتها واعضائها.
لا يجبي الاتحاد العام اي اشتراكات من الاتحادات الاعضاء ويجمع موارده المالية حصراً من المساعدات التي تأتيه، اما من الدولة او من مؤسسات اجنبية نقابية وغير نقابية. وهذا النقص له انعكاسات سلبية على آلية أخرى من المفترض أن يوفرها التنظيم النقابي الا وهي آلية المراقبة والمحاسبة. فغياب التمويل الذاتي يسهل النزوع نحو الانفاق الكثيف غير المجدي. وكما أن دفع الضرائب من قبل المواطنين هو الشرط المادي الأساسي لممارسة الرقابة الشعبية الديمقراطية على سلوك الحكام وسياسة الدولة، فإن عدم مشاركة الاتحادات الأعضاء في دفع أي اشتراك او مساهمة في تمويل انشطة الاتحاد يقلص كثيراً – ذاتياً وموضوعياً – من رغبة وقدرة اعضاء المجلس التنفيذي ومجلس المندوبين على اجراء رقابة ديمقراطية على اداء القيادة النقابية.
تشير هذه الملاحظات مجتمعة الى افتقاد التنظيم النقابي الى الكثير من الخصائص الديمقراطية. ولعل الانقسامات الدورية التي عرفها الاتحاد العام منذ 1993، وآخرها الانقسام الأخير والمستمر منذ السنة 2005، جميعها جراء انتخابات نقابية، انما هي تعلن بشكل صارخ أن التنظيم الحالي للاتحاد العام بات يفتقد الى آلية تضمن انتخاب قيادته في اطار من الوحدة والاستمرارية. وتوفير هذه الآلية هو احدى الوظائف الأساسية لديمقراطية التنظيم الغائبة في اطار الاتحاد العام".
إن إغفال ذكر القواعد الديمقراطية من قبل المستجوبين، تأكيداً او نفياً لوجودها في تنظيم الاتحاد العام، يشير الى خلل في الثقافة الديمقراطية لدى النقابيين، ويعطي مؤشراً إضافياً الى أن اجوبتهم في الموضوع تـنـبع حصراً من كونهم مشاركين في اجتماعات الاتحاد العام او مقاطعين لها.

الاتحاد غير مستقل

تطرقت المقابلات الى الموضوع الأكثر حساسية: استقلالية الاتحاد العام. وكانت المفاجأة الكبرى: 68,2 في المئة من المستجوبين يعتبرون ان الاتحاد العمالي العام غير مستقل! من بين هؤلاء 58,1 في المئة من المشاركين، و92,3 في المئة من المقاطعين. وتقر نسبة كبيرة (63,6 في المئة) من الاتحادات العامة والجغرافية بأن الاتحاد غير مستقل، مع ارتفاع هذه النسبة لدى الاتحادات القطاعية (75 في المئة). هل يعني ذلك ان الاتحادات القطاعية هي أكثر تضررًا من فقدان الاستقلالية، بسبب تقليص تمثيلها لغياب التمثيل النسبي؟
الذين اعتبروا الاتحاد غير مستقل يقولون ان "المجلس التنفيذي يمثل الاحزاب أكثر مما يمثل العمال"، "هناك هيمنة طائفية وحزبية"، "التدخلات السياسية ووزارة العمل"، "القرارات نابعة من الاشخاص من الذين لهم ارتباطات واتصالات من دون التصويت عليها"، "ارتباط الاتحادات بالأحزاب السياسية وتنفيذ اللعبة السياسية على حساب العمل النقابي".
ترى اكثرية النقابيين أن هناك جهتين تهيمنان على الاتحاد او تتحكمان بقراراته: الاحزاب السياسية ووزارة العمل. وهذه القرارات لا تأتي لخدمة العمال بل لخدمة الاطراف السياسية والحزبية. مرة جديدة نحن أمام اسئلة محيّرة: لماذا تخضع الاكثرية لهذا الواقع الذي تنتقده؟ لماذا لا تعمل على تغيير هذا الواقع الذي ترفضه؟ هل أن رأيها الفردي جوابًا على استمارة بحث يختلف عن رأيها عندما تكون مجتمعة مع آخرين في اطار الاتحاد العمالي العام؟ ما الذي يحد من حرية التعبير هذه: مصالح شخصية أم ضغوط من الصعب التفلت منها؟ ما العمل للخروج من هذه الازدواجية؟ كيف نطور استقلالية الاتحاد؟
قسم كبير (31,8 في المئة) يرى في الهيكلية النقابية الديمقراطية شرطًا تنظيمياً لاستعادة الاستقلالية. وقسم آخر يقترح فصل السياسي عن النقابي، لكن من دون توضيح كيفية تحقيق ذلك. هذان الاقتراحان يعبران عن معظم آراء المشاركين والمقاطعين وان كانت نسبة أعلى من المقاطعين (53,8 في المئة) تطالب بفصل السياسي عن النقابي. من اللافت ايضًا النسبة الكبيرة من المستجوبين (25,8 في المئة) التي رفضت الاجابة عن هذا السؤال، وهي من بين المشاركين الذين من الارجح قد سبق واعتبروا ان الاتحاد مستقل، واستقلاليته لا تحتاج الى اي تطوير.

الاصطفاف الحزبي والطائفي!

عرفت الحركة النقابية خلال العشرين السنة الأخيرة، اي مباشرة بعد الحرب، تكاثراً في عدد الاتحادات التي تأسست وانضمت مباشرة الى الاتحاد العمالي العام. ويربط عادة ما بين هذه الظاهرة وظاهرة هيمنة الاحزاب السياسية على الاتحاد العمالي العام. ماذا يقول النقابيون في هذا الشأن: ما هي برأيهم اسباب تكاثر عدد الاتحادات؟
بالنسبة للأكثرية الاسباب سياسية: وصول الاحزاب الى سلطة القرار في الاتحاد العمالي العام( 27,3 في المئة)، السيطرة على الاتحاد من قبل وزارة العمل (29,5 في المئة)، الحضور السياسي لكل طائفة (11,4 في المئة). بالنسبة للباقين الظاهرة نتيجة نمو طبيعي (15,9 في المئة)، أو نمو ديمغرافي عمالي في المناطق النائية (2,3 في المئة) أو هي ردة فعل على قفل الباب من قبل الاتحادات السابقة (13,6 في المئة).
هل تؤثر الانقسامات المذهبية والطائفية التي يعاني منها البلد على العمل النقابي؟ هل ينعكس ذلك على تركيبة الاتحاد العمالي العام؟
اكثرية ساحقة من المستجوبين (86,4 في المئة) يرون تأثيراً للانقسامات المذهبية والطائفية على العمل النقابي. ورغم ارتفاع النسبة لدى المقاطعين (92,3في المئة) بالمقارنة مع المشاركين، الا ان النسبة لدى هذه الفئة الاخيرة تبقى عالية ايضًا (83,9 في المئة).
بأي شكل تؤثر هذه الانقسامات على العمل النقابي؟ أجوبة النقابيين قاطعة ومخيفة: "ما هو موجود في الشارع موجود داخل الاتحاد"، "الطائفية والمذهبية"، "لكل طائفة ومذهب اتحاد ينفذ سياسة طائفته"،" الاحزاب تتدخل بصفة مذهبية". كل هذا "يؤثر بدوره على البرنامج المطلبي والتحركات.. ويؤدي الى الانقسام في العمل النقابي".
تتركز اجوبة المستجوبين حول الاصطفافات السياسية في البلد على فريقي 8 و 14 آذار: المشاركون في الاتحاد "محسوبون" على 8 آذار والمقاطعون على فريق 14 آذار. لا يعير بالمقابل النقابيون اهتمامًا بالظاهرة ككل اي بسلسلة الانقسامات التي عرفها الاتحاد والتي تعددت اسبابها بين سياسي وتنظيمي وشخصي في كل مرحلة من المراحل المختلفة.
كيف نخرج من هذا الانقسام ونعيد توحيد الاتحاد العمالي العام؟ تتعدد الاقتراحات التي يتقدم بها النقابيون لكن من الواضح أن مقاربة الفئتين، المشاركين والمقاطعين، تختلف في نقطة اساسية. ففي حين يتقارب الطرفان من حيث النسب في مجال المطالبة بالحوار تحت مظلة الاتحاد او ابتعاد الاتحاد عن الاحزاب، يطرح المقاطعون بنسبة عالية ( 46,2 في المئة) الهيكلية النقابية الجديدة لمعالجة مشكلة الانقسام مقابل صمت شبه كامل بهذا الخصوص من قبل المشاركين (3,2 في المئة).

نحو تطوير الاتحاد

توفّر نتائج الدراسة معطيات مهمّة ومفيدة لثلاثة أنواع من المقاربات المتكاملة لتطوير الاتحاد العمالي العام:
أ - التدريب
يمكن اعداد برامج تدريبية تساعد على تطوير الاتحاد العمالي العام عبر رفع مستوى المعارف والمواقف والمهارات لدى قيادات الاتحادات وأعضائها.
ب- الحوار
اضافة الى التدريب، من المفيد تنظيم لقاءات حوارية بين المشاركين والمقاطعين، او حتى في وسط كل من الفريقين، لتلمس نقاط الاتفاق والاختلاف بالنسبة الى شتى المواضيع التي تضمنتها الدراسة، وذلك بهدف الوصول الى قناعات مشتركة، وربما الى خطة عمل تفصيلية حول اهداف تطوير الاتحاد العام والوسائل الكفيلة لتحقيق ذلك.
ج- الحملة الضاغطة
ابرز ما بينته هذه الدراسة هو الرأي النقدي لأكثرية القيادات النقابية للواقع النقابي الحالي. إن هذا الرأي النقدي يمكن أن يشكل حافزاً ومرتكزاً لمبادرات ضغط، لا بل لحملات ضاغطة، من داخل الاتحاد او من خارجه او من الجهتين معاً، لحث الاتحاد على اتخاذ قرارات من شأنها احداث تغيير في بنيته وسلوكه في اتجاه المزيد من الفعالية والديمقراطية والاستقلالية.

95 % من القيادات النقابية
يطالبون بتطوير الاتحاد.

68,2 %: الاتحاد
غير مستقل.

70,5 يعزون جمود الاتحاد
الى التدخل السياسي والحزبي.

61,4% غير راضين
عن النشاط التعبوي..

0 comments:



Copyright 2008| FARFAHINNE is powered by Blogger and K2 Beta Two by يساري مصري.
RSS Entries and RSS Comments