ورد في المنشور
البارد حكاية لجوء ودمار وحصار...

حكاية الشعب الفلسطيني مع التهجير كحكاية إبريق الزيت. عادةً ما تقترن ذاكرة الفلسطينيين، وخاصة كبار السن منهم بـ"طلعات" عدة. أبو داوود، من لاجئي نهر البارد الأوائل، في منتصف السبعينات من العمر، أبٌ لأحد عشر ولدًا وجدٌّ لواحد وثلاثين حفيدًا، "لواءٌ يقاتل فيه إسرائيل إذا أراد" على حد تعبيره. يروي أبو داوود بحماس كبير تاريخ فلسطين قبل هجرته الى لبنان، من الثورة الفلسطينية ضد الإنكليز واليهود الى دخول الجيوش العربية ومن ثم إنسحاب هذه الأخيرة و"تسليمها فلسطين للإحتلال" عام 1948. عندها، "طلعنا من صفوري، قضاء الناصرة، لواء الجليل، ووصلنا بنت جبيل، وبعد شهر نقلونا عالقرعون، قضينا سنة، بس صار في برد كتير، فتم نقلنا إلى نهر البارد حيث قعدنا بشوادر". يتذكر أن اللاجئين في المخيم حينها رفضوا بناءه بالاسمنت «لأنهم خافوا من توطينهم في لبنان». لكن عندما اهترأت الشوادر مع الوقت "أعطتنا الأونروا زينكو"، في منتصف الستينات،" فصرنا نبني الجدران من حجر والسقف زينكو، وصار شوي شوي المخيم يكبر".

يشرح خالد يماني، منسق "مؤسسة الأطفال والشباب الفلسطينية"، كيف أن بناء مخيم البارد في الخمسينات كان فوضويًّا على خلاف البداوي الأكثر تنظيمًا لكونه أََََُُعِدّ مُسبقًا لإستقبال اللاجئين. يقول: "الى السبعينات، لم يكن هناك بعد مجارٍ صحية. لكن في الثمانينات، شهد المخيم توسعًا خارج حدود الأرض التي توافقت الدولة والأونروا عليها كنطاق جغرافي للمخيم" ليشمل أراضٍ تقع على أطراف المخيم عن طريق شراء عقارات وتسجيلها، وذلك إما قبل إقرار قانون عام 2001 الذي يمنع الفلسطينيين من التملك، إما عبر تسجيلها بأسماء أشخاص يحملون الجنسية اللبنانية أو غيرها، وهذه الأراضي هي ما يعرف اليوم بـ"المخيم الجديد".

يتميز البارد بنسيجه الإجتماعي ومحافظته على خصائص القرى الفلسطينية. فالأحياء مقسمة الى حارة صفوري وسعسع والبروي والدامون والعابسية وغيرها... وهي أسماء قرى فلسطينية لجأ سكانها الي البارد وبنوا فيه أحياءهم وحافظوا على خصائصهم القروية، المتعصبة في بعض الأحيان. يروي يماني كيف أن شابًا فلسطينيا من البارد ذهب ليتقدم بوظيفة لدى تاجرٍ فلسطيني، فرفض هذا الأخير توظيفه بحجة أنه لا ينتمي الى حي الصفوري! الى جانب النسيج الإجتماعي، تميز مخيم نهر البارد، قبل دماره، ببنية إقتصادية إستطاعت تشكيل سوق تجاري يمد القرى المحيطة بسلعٍ رخيصة وصناعة محلية من مثل الحديد والدهان والأدوات الصحية. فتحول المخيم قِبلة لتجار الجملة والمتسوقين من ذوي الدخل المحدود من اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم.

إقتصاد المخيم قبل الدمار:

إن كان مصير مخيمات اللجوء الفلسطينية في لبنان أن تعيش في حالة من الفقر المدقع نتيجة القيود المفروضة عليها من قبل السلطة اللبنانية خاصةً في مجالي العمل والتملك، حيث لا يُسمح للفلسطينيين بمزاولة كل المهن على الرغم من إقامتهم الدائمة في لبنان، ولا يسمح لهم بتملك منزل أو عقار وأرض. فإن المشهد في مخيم نهر البارد يختلف عن بقية المخيمات. وما يميزه، هو موقعه الاستراتيجي على الطريق الدولي الذي يربط لبنان بسوريا، الأمر الذي سمح بإنتعاش الحياة الإقتصادية وبتطوير نشاطات تجارية في داخله وعلى تخومه. وبالتالي استطاع سكان مخيم نهر البارد تأسيس مركز إقتصاديٍّ، في محاولة منهم التغلب على الحرمان الذي تتصف به المخيمات الأخرى في لبنان.

بحسب إحصاءات الـ«أونروا»، يبلغ إجمالي اللاجئين المسجلين في مخيم نهر البارد حوالى 31 ألف لاجئ، "ولكن هذا الرقم غير دقيق، برأي العديد من الجمعيات، بسبب عدم أخذه بعين الإعتبار الفلسطينيين غير المسجلين، وتتحدث المعلومات عن وجود ما لا يقل عن 40 ألف لاجئ. وبحسب دراسة أعدها معهد العلوم الاجتماعية التطبيقية، فإن 63 في المئة من عمال مخيم نهر البارد كانوا يعملون بداخله، أي أن ما يزيد على 20 ألف لاجىء كانوا يعتمدون على المخيم لتوفير قوتهم اليومي"[i]. وبحسب دراسة أخرى للأنروا ومنظمة العمل الدولية،حوالي 50% من أبناء المخيم الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 5ا والـ64 سنة كانوا ناشطين إقتصاديا[ii]. وكان اقتصاد نهر البارد يعتمد بشكل أساسي على التجارة نظراً لموقع المخيم على الطريق الدولي ووجود واجهة بحرية له. وشكل سوق المخيم بالنسبة للقاطنين فيه وبالنسبة للمناطق المحيطة به، مكانًا يعتمدون عليه لشراء حاجياتهم المختلفة ذات الأسعار الزهيدة. يقول خالد يماني أن حوالي المليون شخص، من لبنانيين وفلسطينيين، كانوا يعتمدون على البارد بشكل رئيسي وخصوصاً في عكّار والمنية وطرابلس. وتتنوع السلع التجارية التي كانت متداولة في مخيم نهر البارد لتشمل مختلف الحاجات والمستلزمات، فكانت تزدهر تجارة البورسلان والمواشي والذهب والمواد الغذائية المختلفة. "هذا النشاط الاقتصادي لا يعبّر عن رفاهية اقتصادية لأهالي المخيم لكون هذه التجارة محصورة بعدد قليل من التجار، ولكن تلك المرافق كانت توفر فرص عمل لكثير من سكانه"[iii]. بالإضافة الى التجارة لعبت الصناعة دوراً مهماً في اقتصاد البارد، وخاصة الصناعات البسيطة كصناعة المفروشات والمحارم والستائر، فضلاً عن تصنيع مواد الدهان والأجبان والإسفنج. واستقطب قطاع البناء داخل المخيم وخارجه عدداً كبيراً من العمال، فبحسب دراسة للـ"فافو" (FAFO)، يعمل 32% من الرجال في البارد في البناء[iv] . إستطاع فلسطينيو البارد، كسب ثقة المجتمع الشمالي المجاور، فالإندماج الإقتصادي أدى أيضًا الى إندماجٍ إجتماعيٍّ، وحالات المصاهرة بين فلسطينيين من البارد ولبنانيين أكبر دليلٍ على ذلك.

هكذا كان وجه المخيم قبل المعارك الشرسة بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام التي أدّت عملياً إلى تهجير ثان ٍلعشرات الألوف من سكّانه الفلسطينيين، وإلى دماره الشامل. وهو ما يدفع إلى التساؤل إذا ما كان ذلك مقصوداً، وليس مجرد نتيجة لا مفر منها

ستون يومًا تحت القصف:

مئة وخمسة أيامٍ، تحولنا خلالها الى مشاهدين كمن يتابع فيلمًا هوليووديًًّا على شاكلة البطولات الأميركية المعهودة، تواصل خلالها القصف من دون إنقطاع، ما خلا ساعات هدنة معدودة لتعود وتشتد بعدها حدة المعارك بين الجيش من جهة وفتح الإسلام من جهة أخرى غير عابئين بوجود المئات من المدنيين في المنازل وتحت الأنقاض.

الدكتور توفيق أسعد، هو واحد من القلائل الذين كانوا يستطيعون الخروج من المخيم ولكنهم رفضوا ذلك قبل خلوِّه من آخر مدني وذلك أولاً للإعتناء بالجرحى والمصابين وثانيًا، لعدم تقديم المباني لقمة سائغة لفتح الأسلام لتحتلّها وللجيش اللبناني ليقصفها. دكتور في الجهاز الهضمي، أب لثلاثة أطفال وزوجة روسية. في اليوم الأول من القتال أخرج عائلته من المخيم ومن ثم عاد الى المستوصف. يقول "ما كنا متوقعين إندلاع الحرب، على الرغم من إحساسنا بوجود جوّ غير طبيعي في المخيم نتيجة وجود فتح الإسلام وللأسف الفصائل الفلسطينية لم تتعامل مع وجودهم بشكل جدّي على الرغم من إستنكار العديد من الأهالي لتصرفاتهم ووقوع عدة إشكالات بينهم وبين سكان المخيم". يروي أسعد بالتفصيل حكاية ستين يوما قضاها تحت القنص والقصق، يسانده في إنقاذ الجرحى ممرضان، بعد أن خرج جميع الأطباء وبعد أن إنقطع الإتصال مع المراكز الطبية الأخرى المتمركزة عند الطريق العام، في ظروفٍ صعبة للغاية، خاصة بعد قصف مولدات الكهرباء وشبكات المياه. فتحول الجزء السفلي من المستوصف الواقع وسط المخيم القديم الى ملجأ، تكدس في غرفِهِ الخمسة، 3500 شخص بين أطفالٍ ونساءٍ وشيوخ في الأيام الأولى للمعارك وهم في حالة نفسية هستيرية.في اليوم الرابع، وقبل إعلان هدنة "الكم ساعة" وخروج 1200 مدني، سقطت قظيفة أمام المستوصف، فإستشهد شخصان وأصيب ثلاثة بإصابات بليغة. "إعتقدنا إنو القصة ما رح تطوّل بس وضحلنا بعدين إنو كنا غلطانين". تحوّل دكتور الجهاز الهضمي خلال الستين يوما الى طبيب صحة عامة وجرّاح ومساعد نفسي وإجتماعي يحصي إلى جانب آخرين عدد المدنيين الباقين وينسق عمليات إدخال المساعدات وإطفاء النيران في المنازل... "حتى ميلاد (أحد الممرضين) ولّد تحت القصف إحدى الحوامل". في هذه الأثناء بدأت تنقص الأدوية التي لم تدخل قبل اليوم الخامس عشر وذلك بسبب "عرقلة الجيش وصول الطواقم الطبية" ممّا أدى إلى إستشهاد عدد من الجرحى الذين نزفوا حتى الموت لعدم التمكن من إخراجهم. "إشتغلنا بظروف صعبة ... هيك على مدة شهران، من أصل 24 ساعة في اليوم كنت نام ساعتين، وكان الوضع بيتطلب مننا مجهود وقوة وإحساس بالمسؤولية على الرغم من الخوف الي تملكنا لإن حياتنا مهددة بأية لحظة تحت القصف العشوائي" وهذا فعليًّا ما حصل، "في أحد الأيام قررنا نقل غرفة الطوارئ من الطابق الأول الى الملجأ، في ذلك اليوم إستقبلت جريحين إصابتهما خطيرة، فقررت إنزالهما الى الملجأ...خرجنا من الغرفة، ما في ثواني ونزلت قظيفة في الغرفة لكنا فيها...شو بدّي قول: إنكتبلنا عمر جديد...بس!". لم يرد أسعد الخروج من المخيم "ولكن بعد ثمانية أسابيع تلقينا إتصال من قبل أحد قياديي الفصائل يدعونا لإجتماع في "المربع الأمني" بالمخيم من أجل تنسيق الخروج منه، رحت الإجتماع إلا إنو قررت عدم الخروج خوفًا من سيطرة عناصر فتح الإسلام على المستوصف" فعاد أسعد في اليوم التالي إلى المستوصف ومعه عدد من العناصر الأمنية في الفصائل الفلسطينية، ليجدوا بالفعل مجموعة من فتح الإسلام قد إقتحمته وإتخذته قاعدة عسكرية لها وعاثت فيه فسادًا. "إنقسمنا مجموعتين صغار وتسللنا إلى الملجأ وأخرجناهم بالقوة بعد الكثير من الملاكشات والتهديد". كانت هذه الحادثة سبب خروج أسعد وكان هو من ضمن آخر دفعة مغادرة قبل خروج ممثلي للفصائل الفلسطينية. إلاّ أن القصة لم تنتهِ هنا. فـ"لدى وصولي الى مدخل المخيم تحت القصف تلقفني الجيش اللبناني وتمت كلبجتي وعصبت عيناي ورموني بالسيارة العسكرية مع 22 شخص وأخذونا الى ثكنة عسكرية، جردوني من كل شي وبدأت سلسلة من التحقيقات إستمرت ساعتين، رموني بعدها بسجن إفرادي أنجأ بيتسع إلي. بعد نصف ساعة أتى شخص بلباس مدني وأدخلني غرفة الرائد. فبدأت سلسلة ثانية من التحقيقات تتمحور حول علاقتي بفتح الإسلام, وليش بقيت للآخر...إلخ وتواترت التحقيقات كل ربع ساعة تخللتها الكثير من الإهانات الشخصية. فعندما طلبت الدخان، جاوبني الرائد "أنا بدخن وإنت بتشم الريحة" ولما طلبت ماء، أشار بطرف يده الى صابورة مياه متصلة بالمرحاض وقال لي "إشرب". لم يخرجوني قبل الثامنة مساءً من اليوم التالي". في اليوم الذي تلا إفلاته عاد الدكتور توفيق أسعد الى عمله في المستوصف ولكن هذه المرة في مخيم البداوي، الذي إستقبل الأعداد الكبرى من لاجئي البارد. أما اليوم فقد عاد أسعد مع أول الوافدين الى البارد حيث تم تحويل بيت محروق الى مستوصف. هكذا يقول: "نحن خرجنا آخر الناس وعدنا أولهم".

ما بعد المعارك:

الأغلبية فقدوا كل شيء...، كل ما عملوا من أجله وكل ما جنته يداهم. يقول أبو داوود "لقيت هيدي الطلعة أصعب من طلعة الـ48، طلعت بأواعيّ بعد 25 يوم قضيناها تحت القصف وكنا متوقعين نرجع على أملاكنا وبيوتنا...عمار50 سنة راح بساعتين أو ثلاثة..."، أكثر ما يؤلمه هو ضياع أوراقه الثبوتية وهويته الفلسطينية, تلك التي حصل عليها في فلسطين عندما كان في الرابعة عشر سنة من عمره. يختم بقوله "لو كنت عارف هيك رح يصير، كنت بفضل إنو موت ببيتي". أمّا نائل أبو صيام، وهو من لاجئي نهر البارد الذين إضطرتهم المعارك إلى ترك منازلهم وهو يسكن اليوم في أحد المنازل المؤقتة التي وضعتها الأنروا، تحدث عن التأثيرات النفسية للحرب على إبنه. فهو "يسأل يوميًّا عن النهر إلي كان حد البيت...إلى أن أخدني الى قطعة أرض بمخيم البداوي، وسألني: وين النهر؟! قلتلو إنو أخذوه يغسلوه ورح يرجعولنا إياه"، أما "زوجتي، وهي لبنانية، صارت تصرخ تحت القصف "بدكن تجنسونا جنسونا...بس ما تقتلونا" من شدة خوفها، نسيت أنها لبنانية"!....

كشف وقف إطلاق النار عن كارثة إنسانية كبرى في المخيّم، وعن أنّ العمليات العسكرية ترافقت مع سلوك حاقد ضدّ سكان المخيّم من المدنيّين الفلسطينيّين الذين غادروا بيوتهم عند نشوب القتال، والذين لم تربطهم أي علاقة بمجموعة "فتح الإسلام". وفي هذا الصدد، وصف تقرير صادر عن "هيومن رايتس ووتش"معركة نهر البارد بأنها كانت "أسوأ اقتتال داخلي منذ نهاية الحرب الأهلية"، عارضاً الخسائر البشرية في المعركة التي «حوّلت المخيم إلى أنقاض» وكانت حصيلتها 430 قتيلاً على الأقل ومئات من الجرحى، ومنهم عدد كبير من المعوقين. واتهمت الأجهزة الأمنية اللبنانية بـ"احتجاز بعض الفلسطينيين الفارّين من الاقتتال تعسفاً وتوجيهها إساءات بدنية إليهم". ورأت أن "ما عزز حالة الإفلات من العقاب عدم إجراء الحكومة اللبنانية تحقيقاً في الانتهاكات المذكورة، كما في إطلاق النار يوم 29 حزيران على متظاهرين فلسطينيين مدنيين كانوا يطالبون بالعودة إلى نهر البارد، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم"[v]. أما منظمة العفو الدولية تحدثت عن انتهاكات لحقوق الإنسان داخل مخيم نهر البارد. وقالت إنه "منذ أن أعلنت سيطرة الجيش اللبناني على المخيم، ورد العديد من التقارير عن أعمال السلب والحرق والتخريب المتعمد للممتلكات الخاصة داخل المخيم، والتي زادت من حدة الكارثة التي أصابت المخيم جراء الأعمال العسكرية وأشارت المنظمة إلى أن "العديد من المنازل داخل المخيم سلب منها كثير من الممتلكات كالتلفاز والبراد والغسالات والمجوهرات والنقود"، بالإضافة إلى "حرق عدة منازل عمداً". وطالبت المنظمة بالتحقيق أيضاً "مع عناصر الجيش اللبناني الذين تعاملوا بعنف مع اللاجئين الفلسطينيين". وأوردت المنظمة مثالاً على هذه المعاملات المهينة كـ"إجبار رجال فلسطينيين على لعق أحذية عناصر من الجيش، وتشويه حيطان المنازل بعبارات عنصرية ونابية بحق الفلسطينيين"[vi].كأنّ الذلّ الذي تعرّض له هؤلاء المدنيّون لدى لجوئهم إلى مخيّم البداوي لم يكن كافياً. وكأنّ الخسائر المادية التي تعرّضت لها ممتلكاتهم خلال القتال لم تكن كافية. فكان لا بدّ من الحرق المتعمّد لجنى عمرهم، ومن كتابة الشتائم العنصريّة على جدران بيوتهم. وللتستر على هذا الوضع الكارثي مُنعت الصحافة من الدخول وما زالت الى حد اليوم على الرغم من مرور حوالي الخمسة أشهر على إنتهاء المعارك. هذا وقد سجلت حالات تعدي على صحافيين من قبل القوى الأمنية مثل المصوّر في جريدة «الأخبار» وائل اللادقي، الذي كان في مهمة عمل عند مدخل مخيّم نهر البارد، فتم سحبه إلى خارج الآلية العسكرية وانهيل عليه بالضرب. واعتقل أيضاً رمزي حيدر (AFP) وعلي ترحيني (تلفزيون العالم) وأسعد أحمد (جريدة البلد)[vii] وقد ترافق ذلك مع موجة من التحريض الإعلامي الطائفي والعنصري.

تاثير حرب البارد:

شملت المنطقة التي طالها النزاع مباشرة مخيم اللاجئين وست بلديات مجاورة. وتشير التقديرات إلى أن مجموع الخسائر في الموجودات يقارب الـ160 مليون دولار، علماً بأن عدداً كبيراً من مؤسسات الأعمال الصغيرة (حوالي 1500 مؤسسة) قد دمرت كلياً أو جزئياً، وأن البنية التحتية الصحية والتعليمية قد أصيبت بأضرار كبيرة. فهناك ثلاثة مستشفيات وأربعة مستوصفات تحتاج إلى إعادة بناء أو إلى ترميم واسع النطاق، كما أن أكثر من 15 مدرسة قد دمرت أو أصيبت بأضرار. ويشكل تدمير المباني العامة أكبر خسارة بعد خسائر القطاع السكني[viii]. بحسب دراسة الـ"فافو" (FAFO) أغلبية لاجئي البارد يعملون داخل المخيم بما نسبته 6\10 من السكان. إلا أنه في ظل ما لحق بالمخيم من دمار خاصةً الجزء القديم منه، فإن 63% من سكان المخيم فقدوا مصدر عملهم و55% فقدوا أو سيفقدون مدخولهم في وقت قريب. وبحسب الأنروا، 9\10 من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين الـ15 والـ24 أصبحوا عاطلين عن العمل. وبالتالي عودتهم لمزاولة أعمالهم السابقة ستكون صعبة للغاية، لا بل مستحيلة بعد أن قضت المعارك على المباني والمحال التجارية والمكاتب والبنى التحتية من ماء وكهرباء وطرق...وبإنتظار إعادة الإعمار بنتظر آلاف اللاجئون العودة الى مخيمهم. وقد عاد 1500 لاجئ الى منازلهم الصالحة للسكن، كما وضعت الأنروا وحدات سكنية جاهزة وإنتقلت إليها 490 عائلة من من فقدوا منازلهم بالكامل. بينما تتلقى 3053 عائلة بدل أيجارات[ix].

مخطط إعادة إعمارالبارد:

من أول يوم بدأت فيه المعارك، بدأت الوعود الرسمية بإعادة إعمار المخيم "...وعلى أحسن من قبل"! تخوف الأهالي من أن يتم إستبعادهم عن عملية البناء وأن يتم بالتالي محو ذاكرة المخيم وتركيبته الإجتماعية. لذلك نظم رجال ونساء ومتطوعين و متطوعات وناشطين وناشطات من البداوي ونهر البارد ومن خارج المخيم، على عدة أسابيع ومنذ منتصف تموز، ورش عمل حول إعادة الإعمار هدفها وضع مجموعة من الأسس والمبادئ لإعادة إعمار المخيم. شكلت هذه المجموعات "هيئة العمل الأهلي والدراسات لإعادة إعمار نهر البارد" وإتخذت هذه الهيئة من المبادئ، بعد تعميمها على الأهالي وإدخال التعديلات عليها، دستورًا لعملها. ومن المبادئ أن يكون لأهالي المخيم دور أساسي في تحديد آليات ومخططات وشكل إعادة الإعمار. وأن يعاد الأعمار مع المحافظة على هوية المخيم وأن لا يتم التعاطي مع المكان على أنه فارغ من مضامينه الإجتماعية والتاريخية والإقتصادية والسياسية. وأن يتم إجراء التحسينات على بنية المخيم بشكل يسمح بإدخال النور والهواء الى المساكن. كما أن يبقى المخيم على أرضه من دون نقله أو تقليص حجمه ونقل عدد من سكانه.هذا بالأضافة إلى إعطاء الأولوية لليد العاملة الفلسطينية في عملية إعادة الإعمار...وبعد وضع المبادئ، بدأت الهيئة العمل على وضع مخططٍ لأعادة الإعمار. وقد واجهت مشاكل عديدة منها غياب خريطة للمخيم، فتم الإستعانة بوثائق من البلديات وتم جمع الأهالي ورسم المخيم بناءِ على ذاكرتهم, حيًّا حيًّا وبيتً بيتً، وفي شهر 11 تم التوافق مع الإنروا على المخطط. وعلى الرغم من أن الحكومة اللبنانية أقرت مشروع إعادة الإعمار وفق هذه الأسس، وعلى الرغم من أنه سيتم عقد مؤتمر للمانحين في شهر 4، فإن سكان المخيم يتخوفون من أن يتم إخضاعهم لسلطة الجيش اللبناني الأمنية. فيقول إسماعيل شيخ حسن، مهندس وعضو في الهيئة أن الجيش اللبناني كان طرفًأ رسميًّا أساسيًّا للموافقة على مخطط إعادة الإعمار! "ما كان بإستيطاعنا إخراجه من المعادلة. وفي حين كنا عم نسعي لتوسيع الزواريب من أجل إدخال المزيد من الضو والأوكسيجان، كان الجيش عم يسعى لتعزيز مواقعه ولإدخال آلياته عبر الزواريب".

ولعل الأعمال التحصينية للجيش اللبناني حول المخيم والدشم والحواجز التي تزيد من معاناة سكّانه تدل على نية في تشديد الخناق على المخيم وتحويله الي منطقة عسكرية بشكل يقطع الطريق أمام المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية الطبيعية للاجئين الفلسطينيين. فتبقى المخيمات عندها عرضة للهدم والحرق، تارةً بحجة الإرهاب وتارةً بحجج أخرى، طالما أنها تعامل على أنها بؤر أمنية محرومة من أي حق من الحقوق الأساسية.

By Farfahinne


[i] جريدة الأخبار، عدد الخميس ٦ أيلول ٢٠٠٧

Livelihood Assessment, A Profile of Displaced Palestinian Refugees from NBC Based on a Survey of 999[ii]

Households

[iii] المرجع نفسه، جريدة الأخبار

A socio-economic profile of the Naher El Bared and Beddawi Refugee camps in Lebanon- based on the[iv] 2006 Labor Force Survey among the Palestinian Refugees in Lebanon

[v] جريدة الأخبار، عدد الجمعة ١ شباط ٢٠٠٨

[vi]جريدة الأخبار، عدد الخميس ١ تشرين الثاني ٢٠٠٧

[vii] جريدة الأخبار، عدد الجمعة ٢٥ أيار ٢٠٠٧

[viii] الأخبار، عدد الأربعاء ٣٠ كانون الثاني ٢٠٠٨

Lebanon Support /DRU, Distribution of NBC IDPs consolidation of March 2008. Consolidation of Figures related to[ix] the Geographical Distribution of NBC IDPs and Returnees, sources: UNRWA, Lebanon Support DRU

0 comments:



Copyright 2008| FARFAHINNE is powered by Blogger and K2 Beta Two by يساري مصري.
RSS Entries and RSS Comments