المرصد- فرح قبيسي 


بدأ اليوم ما يزيد عن مئة عامل في شركة A-BUILD إضرابا مفتوحا عن العمل للمطالبة بتطبيق مرسوم تصحيح الأجور الصادر في 26 كانون الثاني 2012. والشركة هي واحدة من مجموعة تحت اسم عصام قباني وشركائه (IKK) للتجارة والتصنيع والبناء والخدمات والاتصالات والعقارات ومقرها السعودية. أما فرع الشركة في لبنان A-BUILD  فهو متخصص بالمقاولات ومد الورش بمواد البناء والعمال.
وفي أطار سعيها لثني العمال عن الإضراب والتراجع عن المطالبة بحقوقهم، عمدت الشركة إلى حجز مرتباتهم. وفي تطور ملفت، لجأت الشركة اليوم إلى الإدعاء أمام مخفر الأوزاعي ضد العمال بتهمة "منع الباصات التابعة للشركة من الحركة ومنع الموظفين من أداء عملهم تحت الضغط والتهديد" وضد رئيس الإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، كاسترو عبدالله ، بتهمة "تحريض العمال على الإضراب" كما جاء على لسان محامي الشركة وليد قنطري.
ويقول العمال أن الشركة لاتزال تتهرب من دفع زيادة غلاء المعيشة، مما اضطرهم إلى تقديم شكوى إلى وزارة العمل في شهر أيار الفائت عبر الإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين. أما الإضراب الذي بدؤوه فهو جاء بعد فشل وساطة وزارة العمل، كما يقول كاسترو عبدالله رئيس الإتحاد مضيفا: " لجأنا إلى الإضراب بعد إعلان فشل الوساطة ونحن ذاهبون للجنة التحكيمية العليا لأنه هناك حقوق مشروعة للعمال يتم انتهاكها بشكل فاضح."
وواقع الحال، أن انتهاك الشركة لحقوق العمال لا يتوقف حصرا عند حد الامتناع عن رفض تصحيح أجور، بل يتعداه إلى احتساب ساعات العمل الإضافية على 30 يوما بدلا من 26 يوم، مما يشكل مخالفة صريحة لقانون العمل. وكذلك الامتناع عن التصريح عن جزء من الأجراء إلى الضمان الاجتماعي وتحديدا العمال الأجانب.
وإضافة إلى تلك الأوضاع التي يعاني منها العمال والتي يتشاركون فيها مع عدد كبير غيرهم  في شركات أخرى تمتنع إلى اليوم عن تصحيح الأجور أو التصريح عن العمال للضمان الاجتماعي، فإن عمالA-BUILD  يعانون من الأسوأ. فهم بالإضافة إلى ظروف عملهم الصعبة تحت الشمس الحارقة في الصيف أو تحت المطر شتاء، يضطرون إلى التعامل مع مواد البناء الخطرة دون توفر وسائل الوقاية منها.
وبعض تلك المواد تسبّب أضراراً بالغة على الجهاز التنفسي ويوصى عند التعامل معها بارتداء قفازات وقناع واقٍ ونظارات واقية للعين. إلا أن الأهم أن الوسائل هذه التي تقلل من آثار التعامل مع تلك المواد لا يحصل عليها العمال، ويضطرون للتعامل معها دون أي إجراءات وقائية. ورغم المطالبات المتكررة بأقنعة أكثر جودة وبأحذية واقية وبحصة يومية من الحليب وبشافطات غبار، إلا أن الإدارة لم تلقي بالا إلى مطالب العمال الذي لكل منهم قصة مع إصابة عمل يتزاحمون على إخبارها والكشف عن أجزاء من أجسادهم المشوهة الناتجة عن إصابات عمل.  
ومن هذه القصص، قصة محمد ذو الثامنة عشر ربيعا. فلدى قيامه بمساعدة زميلة بقص برميل يحوي على بقايا من مادة التنر، انفجر البرميل وأصيب محمد بحروق من الدرجة الأولى في رجله، فأقر له الطبيب بإجازة 4 أشهر للتعافي. وعلى الرغم من إصابة العمل هذه، امتنعت الشركة عن دفع مرتب محمد طوال الأربعة أشهر ما عدا 750 ألف ليرة يتيمة. كما يروي العمال قصة عامل أجنبي أصيب إصابة خطرة أثناء عمل، فقررت الشركة التهرب من مسؤوليتها بمعالجته عبر ترحيله إلى بلده مسلّمة إياه مبلغ 250$ كتعويض على الرغم من عمله لديها لأكثر من عشر سنوات.
محمد يتعافى من إصابته في رجله بحروق

أما في ما يتعلق بظروف سكن العمال، فقد عمدت الشركة إلى استئجار مستودع في بناية متصدعة في منطقة الأوزاعي وحولته إلى مقر سكن للبنانيين والأجانب منهم على حد سواء. ولدى دخول المستودع يشعر المرء بأنه يدخل مسلخ "الكارنتينا" فالغرف معتمة لا يتسلل إليها نور الشمس والحيطان شديدة الرطوبة والاتساخ والتهوئة شبه معدومة، كما أن المطبخ تنعدم فيه بشكل مطلق أقل المعايير الصحية. وقد اشترك بعض العمال، على نفقتهم الخاصة، في مولدات الكهرباء الخاصة وخدمة الدش في محاولة منهم للتغلب على هذا الواقع المأساوي. بينما يلجأ بعضهم إلى سطح البناية للنوم ليلا بحثا عن القليل من الهواء وهربا من الحر في ظل انقطاع التيار الكهربائي وانعدام وسائل التهوئة. 


صورة من المطبخ: غياب أدنى المعايير الصحية

هذا المستودع الذي يأوي فوق المئة عامل يفتقد إلى الحد الأدنى من معايير السلامة الصحية والبيئية. فالأسقف تتساقط على العمال. ونجا مؤخرا أربعة منهم بأعجوبة عندما سقط جزء من السقف عليهم أثناء الليل. فالوضع السكني للعمال لا يراعي الشروط الصحية من جهة الكم والمساحة المخصصة لحياة الفرد الواحد، فهم يتكدسون في الغرف المخصصة لهم بحيث يتراوح عدد العمال الذين يتقاسمون الغرفة الواحدة بين 4 وأكثر 10 أفراد، في حين يقف العمال في طوابير أمام الحمامات نظرا لأن عددها قليل نسبة لعددهم. أما براميل المياه على سطح البناية التي يشرب ويغتسل بها العمال فهي غير صالحة إطلاقا للإستهلاك الآدمي، ففيها تعوم طفيليات وأوساخ وأعشاب أيضا! يدمع أحد العمال قائلا:" هذه ظروف حياتنا، رأيتها، فقولي لي  هل نحن عمال أم عبيد؟"   

هكذا وقع جزء من السقف على العمال ليلا
من هذه المياه يغتسل العمال: مع تحياة كل من وزارة العمل والصحة والطاقة والمياه

شركة A-BUILD  نموذج صارخ عن جشع شركات المقاولات ورغبة المقاولين في تحقيق أرباح خيالية على حساب العمال وحقوقهم. ولا شك أن اللوم الأكبر يقع على الجهات الرقابية، من مفتشي عمل وضمان، التي تسمح لهم بالتمادي في هذا الاستغلال ضاربين بعرض الحائط  معايير الصحة والحماية والسلامة في أماكن العمل وأماكن سكن العمال. فأين وزارة العمل من إلزام صاحب العمل بتوفير الوجبات الغذائية للعمال والمياه الصالحة للشرب ودورات المياه، والتدقيق في مجال توفير اشتراطات المسكن للعمال وتوفير الخدمات الطبية وغيرها؟


على هذا الرابط تجدون صورا أخذتها اليوم من الإضراب وكذلك من مكان سكن العمال في منطقة الأوزاعي في ضاحية بيروت الجنوبية 

 

2 comments:

  1. Entrümpelung wien said...

    شكرا لكم ..موفقين))

  2. entrümpelung wien said...

    الموضوع ممتاز جدا
    entrümpelung
    entrümpelung
    entrümpelung wien



Copyright 2008| FARFAHINNE is powered by Blogger and K2 Beta Two by يساري مصري.
RSS Entries and RSS Comments