الجامعة الأميركية – بيروت، برنامج أنيس المقدسي للآداب- ندوة الربيع العربي

16 كانون الأوّل 2011

منذ ديسمبر الفائت والعالم العربي يشهد أكبر موجة ثورية وهي الأولى من نوعها في تاريخ المنطقة.

من بوعزيزي تونس وصولا إلى حمزة الخطيب سوريا، يمكننا أن نفخر أننا ننتمي لهذا الجيل العربي الذي يصنع المستحيل والتغيير والذي يكتب التاريخ.

يمكننا أن نفخر بانتمائنا إلى هذا الجيل الثوري الذي ابتدأ بتونس وامتد إلى مصر فاليمن فليبيا فالبحرين فسوريا وسيتمدد ليصل إلى باقي الخليج ولبنان.

وإذا ما نظرنا إلى الثورات العربية باعتبارها سيرورة، فإن لبنان لن يكون بمنأى عنها.

فلبنان عكس ما يحاول بعض الإنعزاليين تلقيننا إياه ليس بجزيرة معزولة وما يحدث في فلسطين وسوريا والخليج وغيره له بالغ التأثير عليه.

وإن أي تحول ثوري في المنطقة لن يكون لبنان بمنأى عن رياحه خاصة ما إذا سقط النظام السوري وهو ساقط لا محالة ليس بقدرة قادر، بل بقدرة الشعب السوري المنتفض منذ ما يزيد عن التسعة أشهر.

وما يعنينا اليوم كلبنانيين في ظل المخاض الثوري هذا في محيطنا هو كيفية تحرير أنفسنا من النظام اللبناني بما هو بنية إجتماعية، سياسية وإقتصادية ذو سياسات طائفية ترتبط بمؤسسات وشبكات زبائنية الطابع.

فلبنان الطائفي هذا ليس بإمكانه أن يكون عاملا إيجابيا داعما للثورات العربية.

بل هو فزاعة تستعملها الأنظمة الديكتاتورية للتخويف من التغيير: "لبننة المجتمع".

كما هو نموذج ماثل إلى أعين الثوار والثائرات في العالم العربي يحاولون إجتنابه.

وفي كلتا الحالتين موقع لبنان ليس مدعاة فخر.

لبنان الطائفي مستحيل أن يكون حاملا لأي مشروع تحرري وديمقراطي فعلي.

وهذا ما يظهر جليا من خلال النظر إلى القوى الثورية في المنطقة باعتبارها تكتلات محض طائفية.

فلبنان الطائفي لن ير في الثورات العربية إلا إنعكاسا لحاله ولمشروعه.

ولن يذهب إلى دعم الثورة إلا إذا ما رأى فيها خادمة لمصلحته الضيقة والمحدودة الأفق.

فلذلك نرى قوى 8 و14 آذار ، سيئتا الذكر، تدعمان ثورة هنا وثورة هناك وتصمتان عن ثورة هنا وثورة هناك. وتدعمان حق شعب ما في التحرر وتصفان تحرر شعب آخر بالمؤامرة.

وفي الشأن السوري تحديدا نرى ذلك واضحا لدى قوى 8 آذار التي لا ترى فيه إلا مؤامرة على نظام ممانع، لم نراه في الحقيقة يمانع على غير الحريات في كل أشكالها.

أما قوى 14 آذار فلا تخدعنا بمواقفها "الداعمة" للشعب السوري. فهي ليس لها علاقة إطلاقاً بآلام الشعب السوري وتضحياته ، وهي تخاف من أي تمدد ثوري يصل الى لبنان يطيح بها بعض الإطاحة بحلفائها غير الديمقراطيين في الخليج خاصة. كما أن بعض قوى 14 آذار تغلّف حقدها الدفين وعنصريتها ضد الشعب السوري بمعزوفة حول "الأقليات"، وبعضها الآخر ينتظر سقوط النظام السوري كي يصفّي حساباته الطائفية الداخلية.

لبنان الطائفي لا يستطيع أن ينظر الى الثورة السورية بوصفها ثورة ضد كل الممارسات الاستبدادية، وبالتالي لا تستطيع أن تكون جزءا من برنامج طائفي عنصري تافه.

أرى أنه من الضروري أن نعي أن استمرار النظام اللبناني برموزه وجناحيه الفاسدين هو مرهون باستمرار الأنظمة العربية المستبدة هذه. لذلك تحررنا لن يكون إلا عبر إلتحاق كل الفئات المتضررة في لبنان من النظام الطائفي وسياساته وحروبه المتقطعة والمتواصلة، من طلاب وأساتذة وعمال وعاملات وذوي دخل محدود وناشطين وغيرهم... عبر التحاقنا بالثورات العربية ودعمنا الواضح لها.

والمعركة ليست بالسهلة فقد نجح النظام الطائفي اللبناني في أن يبرهن انه نظام استبدادي دام أكثر من عهود كل من مبارك وبن علي والقذافي معاً، وهو نظام أكثر دموية وفساداً منهم جميعاً، أنتج الحروب والويلات والدمار والفساد.

إلا أن الثورات العربية المستمرة علّمتنا أن نشطب المستحيل من قاموسنا. فلا شيء يقف أمام إرادة شعب صرخ يوما "الشعب يريد".

أما عن محاولات التغيير في لبنان، فأريد التوقف ولو قليلا عند حملة إسقاط النظام الطائفي:

تراجع الحملة جاء نتيجة لعدة أسباب منها، وهنا ما سأتكلم عنه مرتبط بالسياسة فقط لا بطريقة التنظيم والظهور الإعلامي وغيره.

محاولة بعض القوى فصل العلمانية عن المطالب الإقتصادية والإجتماعية. وهنا أريد القول أن هذا خطأ كبير فهو يعكس قصورا بفهم طبيعة النظام اللبناني الذي يستغلنا كمواطنين على قدم المساواة لكن يفرقنا عبر خطاب أحزابه وقواه الطائفية. كما أن النظام الطائفي ليس هو محض توزيع للمقاعد النيابية ووظائف الدرجة الأولى والمدارس والجامعات على أسس طائفي بل هو أيضا توزيع للرساميل والأموال ووسائل الإنتاج والخدمات على أسس طائفية أيضا.

كما أن فصل مطلب العلمانية عن المطالب الإقتصادية والإجتماعية سمح لبعض القوى من داخل النظام الى التسلل إلى الحركة الناشئة، مما أفقدنا جزءا من الجمهور الذي كان يشكك أساسا بقدرة الحملة على تخطي طرفي الصراع المتمثل بـ14 و8 آذار.

ومن المشاكل الأساسية برأيي كان تواجد بعض القوى التي لديها ارتباط لا تخفيه بأنظمة قمعية عربية "شقيقة" كانت قد احتلت حقائب وزارية مثل وزارة العمل وكان لديها سياسات ضد العمال والأجراء في السنوات الماضية. مما شكل بالنسبة للعديدين معضلة أخلاقية كبيرة تتمثل بكيفية بناء الحملة لتحالفات مع قوى رجعية فيما هي تنادي بالديمقراطية الحقة والحرية الحقة والعدالة الحقة.

أما الأمر الأساسي الآخر هو بداية الثورة السورية وعجز الحملة عن بلورة خطاب داعم لها كما أعلنت موقفها الداعم لباقي الثورات العربية. وكان ذلك يترجم عبر قمع بعض المتظاهرين الرافعين لشعارات

داعمة للشعب السوري وباقي الشعوب العربية وتمزيق يافطاتهم وطردهم من المظاهرة. وهنا كانت البداية لشرخ كبير بين ثوريين يعتبرون أن لا إمكانية لاستمرار المقاومة بظل الاستبداد. وأن أكبر داعم للمقاومة هي الحرية والعدالة وأن تحرير الأرض يبقى ناقصا من دون تحرير الإنسان. هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك الآخرين الذين يعتبرون أن الثورة هي مؤامرة على المقاومة والممانعة إلخ..

هذا ما أريد قوله بإختصار في ما خص حملة إسقاط النظام الطائفي.

لكني قبل أن أنهي أريد التوجه إلى كل الشبان والشابات اللذين واللواتي شاركوا في حملة إسقاط النظام

الطائفي نحو دولة علمانية- أن لا ييأسوا، بعد تراجعها عن تحقيق ما علقوه عليها من آمال.

بالنسبة إلي شخصيا لم أعتبر أن هذه الحملة بالتحديد ستؤدي الى إسقاط النظام إلا أن أهم إنجازاتها تبقى أنها أعادت تسييس قطاعات من المجتمع المدني اللبناني وجذبت نشطاء جدد الى الساحة النضالية. وأعادت فتح النقاش حول النظام الطائفي وبديله العلماني بعد فترة طويلة من الخمول والثبات.

فلا مجال لليأس إن نظرنا من حولنا. فالثوار والثائرات العرب جعلونا ندمن على الأمل والذي أصبح بالفعل داء لا شفاء منه.

3 comments:

  1. Anonymous said...
    This comment has been removed by a blog administrator.
  2. مازن said...

    اليسار التحرري و الثوري السوري بيشوف انو تضامنكم مع الجماهير السورية مهم جدا , نحن معا في مواجهة القوى الاجتماعية السائدة التي تستخدم الطائفية لإخضاع الطبقات الأفقر , كانت حملتكم لإسقاط النظام الطائفي ستكون مؤثرة اليوم في دعم الخيارات المدنية للثورة السورية

  3. Farfahinne said...

    تحياتي مازن
    المعركة لإسقاط النظام الطائفي، معركة طويلة وأكيد إنت عارف. ومع إنو كحراك أو حملة توقف، إلا إنو في تحركات موازية نشأت عنه وبعتقد بعد فترة رح يرجع الزخم للشارع على القضايا الإقتصادية والسياسية. أكيد الشارع اللبناني فيه يقدم دعمة كبيرة للثورات العربية وخاصة في سوريا إذا ما نجح بفرض قضية العلمنة كطرح وكبديل.



Copyright 2008| FARFAHINNE is powered by Blogger and K2 Beta Two by يساري مصري.
RSS Entries and RSS Comments