“المجتمع غير جاهز لتقبل هكذا أفكار”، “للثورة أولويات: إزاحة العسكر وإقامة الجمهورية الديمقراطية”، ” حين نخوض حربا طبقية ضارية من اجل حريتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية…لا ينبغي أن يأتي احدنا مدافعا عن حقه في إزالة سرواله وهذا ما يميز الموقف الثوري”…هذه عينة بسيطة من الردود التي أثارتها صورة عليا ماجدة المهدي العارية التي تدعو المجتمع من خلالها إلى التحرر من عقده الجنسية التي تكبله. والملاحظ أن زوبعة التعليقات التي أثيرت لم تركز مطلقا على صورة الرجل العاري بل على المرأة العارية حصرا وهو أمر لا يخلو من دلالة. وعلى الرغم أن هناك الكثير مما يمكن أن يقال حول خيار عليا في نشر صورتها عارية، غير أني أود أن أحصر تعليقي بموضوع “الأولويات” هذه.
لطالما رافقت حجة “أولويات المرحلة” كل مطالب متعلقة بالحريات الشخصية. وكانت النساء ولا يزلن ضحايا لأولويات لم يشاركن بالضرورة في وضعها بل على الأغلب حددها الرجال. فعندما ارتفعت أصوات النساء مطالبة بحقهن بالعمل وبأجر متساو مع الرجل، ارتفعت أصوات مقابلة قائلة أننا نمر بمرحلة كساد وأزمات، وعندما ارتفعت أصوات النساء مطالبة بحقوقهن السياسية وفي الانتخاب كان الرد أن المجتمع غير جاهز والمرحلة هي مرحلة التحرر الوطني. فكان أولئك دائما ما يتحججون بالمرحلية لخنق أي صوت “أقلوي” معارض. هكذا أيضا تخنق الأصوات المطالبة بإلغاء التمييز العنصري والقانوني ضد مثليي الجنس مثلا ودائما بحجة أن “المجتمع غير جاهز لتقبل هكذا أفكار” أو ليصبغوا على مجتمعهم نوع من الطهارة فيلتقون بالتالي بأحمدي نجاد حين خرج على الناس مبشرا أن إيران “خالية من مثليي الجنس” أو ليتمثلوا بمشايخ الوهابية في تبني خطابًا ظاهرًا وآخر باطنًا تقية للمجتمع.
وما يزعجني شخصيا هو أن هذه المعارضة تأتي من بعض الأفراد والتيارات اليسارية، خاصة تلك ذات التوجه الستاليني، التي لم تولِ تاريخيا قضايا المرأة الأولوية اللازمة وهمشت قضايا الحريات الشخصية بحجة أنها بدعة من بدع الليبيرالية كما تبنت فكر “إقتصادوي” بحت يقول أنه وبمجرد تغيير البنية الاقتصادية للمجتمع تتغير الذهنية الفكرية المتخلفة التي يحملها المجتمع بشكل تلقائي. وكأن الأفكار النقدية تلك لا تحتاج أساسا إلى من يحملها ويعمل على نشرها.
وفيما يرون أن الخطوة التي أقدمت عليها عليا ورفاقها “تشوه صورة الثورة”، إني أرى على العكس فيها خطوة نابعة من رحم الثورة. فما هي الثورة غير انقلاب على كل موروثات العهد القديم؟ ما هي الثورة غير تشكيك بكل ما خبرناه كمسلّمات؟ ما هي الثورة غير تحرر من كل ما يكبلنا كبشر على المستوى الاقتصادي والسياسي والديني والاجتماعي والجنسي؟
إن ما أقدمت عليه عليا ورفاقها عمل نادر وشجاع جدا فهم تحدوا بخطوتهم تلك كل ما نحمله في وعينا من مسلّمات وتحدوا مقدَّستين اثنين: السلطة الدينية وسلطة المجلس العسكري الذي كانت من أولى خطواته القمعية الهجوم على أجساد الثائرات في الميدان عبر “كشوف العذرية” سيئة الذكر محاولين فرض سيطرة ذكورية وأبوية عليهن ومن خلالهن على المجتمع.
إن المرحلة التي نعيشها اليوم هي مرحلة التحولات الثورية الكبرى ولا يوجد مرحلة أهم وأولى ليتم خلالها طرح وعي نقدي حول كافة الأمور خاصة تلك المتعلقة بالمرأة، لكي تثمر وتزهر على النساء
وعلى المجتمع ككل