سهى بشارة المقاومة العنيدة والجريئة التي لم تتردد في توجيه فوهة مسدسها إلى صدر العميل أنطوان لحد، هي بالنسبة لي أولا وقبل أي شيء آخر الصديقة العزيزة والمرأة الرقيقة والإنسانة الصلبة كالفولاذ عندما يتعلق الأمر بإشهار كلمة الحق. التقيت سهى قبل عدة أيام في بيروت، وأثناء الدردشة خطرت لي فكرة إجراء هذا الحوار للإيصال موقفها المشرف من الثورة السورية إلى أوسع الدوائر، خصوصا في الوقت الذي يكثر في اللغط في لبنان من حول ما يجري في سورية. تناولت هاتفي النقال وبدأت في التسجيل، فكان هذا الحوار الذي أنشره اليوم على الفيسبوك على أمل أن يجد طريقه إلى أوسع الدوائر بين الأصدقاء ومنهم إلى وسائل الإعلام، وذلك لأهمية ووضوح رؤية سهى بشارة وقدرتها على وضع النقاط على الحروف، وصعوبة أن تمر وجهة نظرها في ما يسمى "تعددية" وسائل الإعلام اللبنانية.
س/ كثر اللغط من حول الثورة السورية في لبنان، نتيجة إصرار البعض على أن النظام في سورية هو نظام ممانعة وأن الحالة السورية تختلف عن بقية الدول العربية بالتالي فلا داعي لإنهاكه بتحركات شعبيه! ما رأيك بهذا "المنطق" الممانع وهل تضيعين الثورة السورية في سياق ما بات يسمى "الربيع العربي"؟
سوريا والشعب السوري هم بالتأكيد ضمن هذا السياق. السؤال كان على الدوام إلى متى سيستمر الشعب السوري تحت سلطة نظام ديكتاتوري إجرامي فاسد، يضطهد شعبه تحت حجة المقاومة والممانعة. ومن ثم ممانعة ومقاومه ضد من؟ ضد شعبه!!
لكن لتكتمل الثورة، على التغيير أن لا يقتصر على تغيير الأسماء. لا تغيير عندما يظل الرئيس هو ذاته والعائلة الحاكمة هي ذاتها، والمؤسسات هي ذاتها، وشبكات الفساد هي ذاتها. طالبنا في البداية برحيل مبارك لنكتشف بعدها أن المشكلة أكبر من الأسماء وأن التغيير الحقيقي يكون بالبنى والمؤسسات والقوانين. عندها، وعندها فقط، نستطيع الكلام عن ثورات عربية، وعندها نستطيع أن نعيد الاعتبار لمفهوم المواطنة.
س/ ما رأيك بمن يشكك بالثورة السورية كونها تقوم في مواجهة ما يعتبرونه "نظاما وطنيا"؟
يا عزيزي دعنا من هذا الكذب! ما معنى هذا الكلام هل بات الشعب مشبوه والنظام غير مشبوه! هل أصبح الشعب السوري غير وطني كونه يطالب بحقوقه المشروعة ويواجه نظاما يطلقون عليه صفة "الوطني"!؟ وما هذه الوطنية التي تستبيح الشعب وتمعن فيه قتلا وسجنا وتعذيبا.
الشعب السوري هو شعب وطني، ينشد التغيير ويناضل لاستعادة حريته. وهذا التغيير سيكلف بالتأكيد دما وشهداء وتضحيات جمة. فالتغيير لا يكون بالورود، ولكن بالنضال والتضحيات.
س/ ما رأيك بموقف حزب الله وبعض الأحزاب اللبنانية التي تدعو لأن يتم التغيير من خلال النظام وبالتعاون والتحاور معه؟
هذا كلام فارغ. وكل الأحزاب في لبنان لم يكن لديها للآسف موقف بمستوى قضية الشعب السوري. ومن ثم كيف يمكن لنا أن نتوقع من مثل هذا هكذا نظام ديكتاتوري أن يقود عملية التغيير والإصلاح؟! وهل من المعقول أن يغير النظام ذاته ويصبح ديمقراطيا؟! هذه المعادلة العوجاء لا يمكن لها أن تستقيم في أي بلد، فلماذا يريدون أن تنجح مع الشعب السوري وفي مواجهة هذا النظام الديكتاتوري بالذات!؟ هذا الأمر مستحيل.
س/ ما تقولين بمحاولة وضع المقاومة بتعارض وتضاد مع الديمقراطية وحريات الشعوب؟
أن أرفض هذا المنطق بالمطلق. فهذا معناه ممارسة الوصاية على الناس وفقدان الثقة بالشعب وبقدرته ليس فقط على ممارسة حرياته ولكن على مواجهة أي احتلال يمكن أن يتعرض له. ومن ثم، إلى متى يمكن للناس أن تقبل بأن تذل وتهان كرامتها، وكل هذا تحت مسمى الممانعة ودعم المقاومة!
س/ هل توافقين الرأي القائل بوجود لامبالاة في المجتمع اللبناني حيال ما يجري اليوم في سوريا؟
لا أعتقد بوجود لامبالاة. هناك في الواقع منطق لبناني يخاف ويتخوف من انعكاسات ما يجري في سوريا على لبنان. فحزب الله مثلا يخاف من موضوع توقف إمدادات السلاح واختلال التوازن الإستراتيجي مع العدو. أما في بعض الأوساط المسيحية اللبنانية، فهناك تخوف على موضوع الأقليات وحمايتها. وهناك أيضا تخوف بالنسبة للاقتصاد كون سوريا هي عصب لبنان. هناك قناعة لدى الجميع أن استقرار لبنان هو من استقرار سورية. لكنهم يتناسون في ذات الوقت أن حرية سورية هي من حرية لبنان وأنه لا يمكن لنا أن نطالب الشعب السوري بالحفاظ على استقراره مقابل التمتع برفاهيتنا في لبنان!
س/ هناك بعض الأصوات التي تتخوف من ما يسمى بالخطر الإسلامي ووصول الإسلاميين إلى السلطة،؟ ما رأيك بهذا الكلام؟
إن ثقتي بالشعب السوري كبيرة جدا، وبالنسبة لي فإن هذا الشعب قادر على تقرير مصيره واختيار شكل النظام الذي يريده. وأنا أدرك أن هذا الشعب الذي يدفع اليوم أفدح الأثمان لنيل حريته، لا يمكن له أن يقبل العيش في ظل أي نظام بديل يحرم المرأة من حقوقها ويمنع المساواة ويلغي القوانين المدنية. مع ذلك، دعني أذهب معك إلى النهاية ولأفترض أن الإسلاميين وصولوا إلى السلطة، فهذا سيكون قرار الشعب السوري وعلينا احترامه، وأنا أكيدة أنه إذا ما حاول هؤلاء النيل من الحريات العامة، فإن الشعب الذي واجه الديكتاتورية الأسدية، سيواجه من جديد أي ديكتاتورية إسلامية.
س/ماذا عن تخوف البعض في الأقليات الدينية من التغيير، وتلويحهم بالأخطار التي تتهدد الأقليات إن تغير النظام في سورية؟
المشكلة هنا أن البعض يتذكر فجأة، أنه أصبح مسيحي أو أصبح من الأقليات. أنت يا أخي، إما أنك أولا مواطن، أو أنك ابن طائفة معينة. لتكن مواطنيتك هي انتماءك الأول، وليأتي بعدها، إذا أردت، انتماءك الديني أو المذهبي. إنه من المعيب أن البعض، بات ينسى فجأة انتمائه الوطني وراح يتذكر فقط أنه سني أو علوي أو مسيحي. مع ذلك فأنا أعتقد أن هذه المشكلة لا توجد بقوة لدى المسيحيين السوريين، في حين أنها تظهر بوضوح لدى بعض القوى والجماعات اليمينية المسيحية في لبنان التي لا تزال تقنع نفسها بأن هذا النظام يحمي الأقليات، على غرار نظام صدام حسين في العراق؟! متناسين أن التغيير في الحالة السورية يأتي من الداخل وبقوة الشعب وبعيدا عن أي تدخل خارجي.
س/هناك بعض الألسنة حاولت أن تشكك بحقيقة موقفك من انتفاضة الشعب السوري، كونك سبق لك أن زرت سورية بعيد خروجك من معتقل الخيام. ما هي حقيقة موقفك من النظام السوري بالماضي والحاضر؟
بالماضي والحاضر والمستقبل، أنا لا يمكن لي أن أكون مع أي نظام ديكتاتوري يضطهد شعبه ويحرمه من حقه الانتخابات والتمثيل الصحيح. من هنا فلا يمكن لي، أنا سهى بشارة، إلا أن أنحني أمام الشعب السوري وثورته.
س/ سهى سبق لك أن حملت السلاح دفاعا عن وطنك؟ ماذا تقولين اليوم للشباب السوري الثائر؟ خصوصا في ظل دعوات البعض لحمل السلاح في وجه قمع وجرائم النظام؟
ذاك الأمر كان في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وعملائه. أما في الحالة السورية فأنا بالمطلق ضد حمل السلاح في مواجهة الاستبداد. إن الضامن الأساسي لتجذر الحراك السوري وتحوله إلى ثورة شاملة، يكون في الحفاظ على سلميته. إن أي سلاح ينزل إلى الشارع، معناه الدخول في نفق الحرب الأهلية التي يخسر فيها الجميع. وسبق لنا في لبنان أن جربنا هذا النفق المظلم، وكنا نتصور أنه يمكن لنا أن نقفز فورا إلى الاشتراكية، فإذا بنا نقفز من شارع مار إلياس إلى شارع البسطة ومن الأشرفية إلى رأس النبع. ووجدنا أنفسنا في النهاية نتحول من الاشتراكية إلى حرب الشوارع!
س؟ هل لديك شيء تحبين أن تضيفيه وتقوليه لبعض أصدقائك المتخفين اليوم في سوريا؟
لم أكن أتخيل يوما أنني سأعيش هذه اللحظة التي سيدخلون فيها من جديد في الحياة السرية، وهذا في الحقيقة فخر لهم ولنا.
س/ برأيك ما هو المخرج اليوم بالنسبة للاستعصاء السوري؟
على الانتفاضة أن تستمر وعلى الشباب أن يستمروا في النزول إلى الشارع. لا مخرج أمام سوريا اليوم إلا بتغيير النظام. أعرف أن الوضع في هذا البلد ليس كمصر وتونس، وأن الكلفة ستكون عالية جدا وستسيل دماء كثيرة، لكن لا مجال أمام المتظاهرين إلا الصمود بأجسادهم في مواجهة آلة القتل العسكرية. الشعب السوري اليوم مصمم على التغيير، وهذا التغيير لا يمكن أن يتم إلا في مواجهة عقلية سلطوية، هي في أساس تكوينها معادية لأي تغيير.
Labels: سوريا ثورة "سهى بشارة" لبنان