بعد التحركات الجماهيرية الواسعة في كل من تونس ومصر ،التي آلت الى فرار زين العابدين بن علي وتنحي حسني مبارك عن الحكم، شاهدنا صعود حركات ثورية جنينية تجتاح دولاً عديدة أخرى (كالأردن والسعودية وعُمان والمغرب والجزائر)، بينما تشهد دول أخرى انتفاضات متصاعدة تهدد بشكل جدي أنظمة الحكم القائمة، كما الحال في اليمن وسوريا وليبيا والبحرين. ونرى يوماً بعد يوم كيف تواجَه هذه الانتفاضات بقمعٍ وحشي وعنيف أدى إلى حصول مجازر واسعة (مئات الشهداء والجرحى).
إن ما نشاهده من قمع وحشي تقوم به هذه الأنظمة ما هو إلا دلالة على صوابية انتفاضة الشعوب، وهو يكشف بشكل قاطع أن على هذه الأنظمة الديكتاتورية البائسة أن تزول، فاستمرارها في الحكم يشكّل خطراً جدياً على شعوبها، وعلى شعوب المنطقة بمجملها.
فنحن رأينا جميعاً كيف تعامل النظام السوري مع أحداث درعا، واتهامَه المتظاهرين بكونهم عصابة مسلحة تريد زرع الفتنة وضرب الوحدة الوطنية، لخدمة العدو الصهيوني. ومع امتداد التحركات من درعا الى اللاذقية وبانياس وحمص ودوما ودمشق، وغيرها من المدن ، لم يكن أمام هذا النظام إلا استكمال مسلسل التصنيف الكاذب، متهماً المتظاهرين دوماً بكونهم يفرّطون بالأمن وبالوحدة الوطنية.
بالطبع، فإن هذا النظام الديكتاتوري القمعي يعرف تماماً أن من خرجوا في هذه القرى والمدن لم تحركهم أي قوى أو أجندات أجنبية، بل إن ما دفع بهؤلاء للخروج ضد النظام هو توقهم للحرية والكرامة، ورفضهم استمرار نظامٍ مارس القمع والبطش والاعتقال والقتل التعسفي ضدَّهم، نظامٍ أنكر طوال عقود حقَّ الشعب السوري في الحياة السياسية الديمقراطية، وألغى حرية الكلمة، وكبّل مجمل شعبه بسلاسل الفقر والبؤس. وكلّ هذا بحجة مقاومة الاحتلال وحماية الوحدة الوطنية.
وإننا لَنَعي بالكامل أن لا مقاومةَ تقوم لها قائمةٌ من دون الحرية، ومن دون الحق في العيش الكريم، من جهةٍ، ومن جهة أخرى،أن أكثر ما تخافه السلطة الإسرائيلية والأنظمة الأمبريالية هو سقوط نظام الأسد، وصعود ديمقراطيات حقيقية في المنطقة، لأن الشارع العربي، والشارع السوري بخاصَّةٍ، لا ينتفض اليوم خدمةً للولايات المتحدة أو الصهيونية، بل من أجل حريته وكرامته. ولن تكون انتفاضته سوى مقدمة لمواجهةٍ أشد حزماً ومناعةً ضد الاحتلال الاسرائيلي، لأننا نعرف تماماً أن الدولة الاسرائيلية قائمة إلى الآن بفضل هذه الأنظمة، المسمّاة ممانعةً بينها كما المطبّعة، إذ إنها جميعها كانت قد ساهمت، وإن بدرجات مختلفة، في ضرب حركات التحرر ومقاومة الاحتلال، وشلِّ الحركات الشعبية، التي كان بمقدورها أن تُنهي قدرة هذا الكيان على الاستمرار في الاحتلال والترهيب والقتل والدمار.
ومن يقف اليوم ليدافع عن النظام السوري، بحجّة دعمه المقاومة عليه أن يعي جيداً أن من يضمن استمرار المقاومة ضد الاحتلال هو الشعب السوري، وليس نظام الأسد البائس. ومن يدافع اليوم عن الحق في المقاومة والحق في الحرية وتحرير الارض، فيما هو ينكر هذه الحقوق على الشعب السوري، إنما هو مقاولٌ بالحقوق وليس بمقاوم.
من هنا،وإذ نشجب أيَّ دعواتٍ أو شعارات تحمل طابعاً طائفياً،أو مذهبياً، أو عنصرياً، أو مناطقياً، وفي حين ندعم بكل حزم نضال الشعب السوري لأجل الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين، وإلغاء قانون الطوارىء، وإشاعة الحريات الديمقراطية، ندعو الجميع إلى الالتفاف والتضامن مع حق الشعب السوري في الحرية والكرامة، ومع حقهم في الثورة على الطغيان والديكتاتورية، وفي التخلّص من نظام يهدد حياتهم اليومية . ونُهيب بكل من يعتبر نفسه ينتمي الى ثقافة الحرية والمقاومة أن يدعم الشعب السوري في نضاله لأجل أوسع الحريات الديمقراطية، لأن لا مقاومة تستقيم من دون شعبٍ حر، كما لا يمكن الثقة بنظام يبطش بشعبه، بحجة حماية نهج المقاومة ضد الاحتلال والامبريالية.
كامل الحرية للشعب السوري
المنتدى الاشتراكي(لبنان)