انتفاضة الأساتذة

فاتن الحاج
خرج أمس آلاف الأساتذة الثانويين والمهنيين إلى الشارع، في مشهد نقابي «وحدوي» يصعب تكراره في قطاعات أخرى. مطلب واحد كان على جدول أعمال خطة التحرك: استعادة الموقع الوظيفي للأساتذة بإعطائهم سبع درجات بلا تسوية أو مساومة. أما وزير التربية فيؤكد للمعتصمين أنّ مكان مناقشة «مطلب مالي بامتياز» هو طاولة حوار تقارب حلولاً منطقية

لم يفاجئ مشهد الأساتذة الثانويين والمهنيين في «ساحة النضال» أمام وزارة التربية، النقابيين. حجم المشاركة كان متوقّعاً من أساتذة لم يخذلوا، تاريخياً على الأقل، روابط خبرت المطالبة بحقوقهم المكتسبة. وما إضراب أمس واليوم والاعتصام أو الانتفاضة التربوية، كما سمّاها حنا غريب، رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، إلا محطة أساسية على طريق تحقيق مطلب واحد لا غير: «سبع درجات لاستعادة الموقع الوظيفي لأساتذة التعليم الثانوي والفئة الثالثة من أساتذة التعليم المهني الرسمي».
عيد المعلم في 9 آذار سيكون محطة أساسية ثانية للتحرك في حال عدم التجاوب، وللاحتفال بالذكرى إذا لمس الأساتذة الإيجابية شرط نيل المطلب «بلا تسوية أو مفاوضات أو مساومة»، على قاعدة أن «لا عمل من دون أجر وهدر حقهم لا يستند إلى أي مسوّغ قانوني».
(...)
وكالعادة، يخترق صوت غريب فضاء الاعتصام فيلهب حماسة المشاركين. يتوجه النقابي العتيق إلى المسؤولين بالقول: «انظروا، ثانويات لبنان كلها هنا أمام وزارة التربية. أساتذة لبنان كلهم هنا، يقدمون مشهداً عن وحدتهم وتمسكهم بحقوقهم وتصميمهم على استرجاع موقعهم الذي تدهور إلى أدنى السلم الوظيفي منذ عام 1998».
يعلو الصراخ حين يقول غريب: «عدّوا معي من الجنوب أتوا 62 ثانوية من أصل 62 ومن الشمال أتوا 69 ثانوية من أصل 69 ومن الجبل أتوا 76 ثانوية من أصل 76 ومن البقاع أتوا 58 ثانوية من أصل 58 ومن بيروت أتوا إليها 25 ثانوية من أصل 25».
يضيف غريب: «إنه الغضب الذي يشعر به كل أستاذ ثانوي في لبنان والشعور بالغبن والإجحاف الذي لحق بكل واحد منهم. إنهم يطالبونكم أيها المسؤولون بدفع ما بقي لهم من الـ60%، وما بقي هو 35%، أي سبع درجات».
الأساتذة، كما يوضح غريب، لا يطالبون بمطلب جديد أو بإعطائهم منَّة أو مساعدة، بل بحقّهم المكتسب المكرّس بالقانون 66/53. إنهم يريدون إعادة الاعتبار لمهنة التعليم كي تعود مهنة مرموقة جاذبة للكفاءات، محافظة عليها. يريدون انتشالها من حال الانحدار الذي وصلت إليه».
ويزيد: «انظروا أين كانت مهنة التعليم، وكيف تدهور موقع أستاذ التعليم الثانوي مع الحد الأدنى للأجور من 4.5 أضعاف إلى ضعفين، ومع الموظف الإداري 60% عند التعيين، ومع الأستاذ الجامعي من خمس درجات إلى 18 درجة، كل ذلك بسبب إلغاء الـ60%».
لا يكفي، في رأي غريب، «الاعتراف بأحقيّة ما نطالب به وأنه لا نقاش فيه، بل المطلوب ترجمة الأقوال إلى أفعال، نريد إقرار مشروع قانون يقفل هذا الملف نهائياً قبل إقرار مشروع الموازنة العامة».
ويسأل: «إلى متى يستمر الانتظار؟ دفعتم المفعول الرجعي لجميع موظفي الدولة وهذا حق لهم، لكن ما لا حقّ لكم فيه هو استثناء أساتذة التعليم الثانوي من إعادة حقهم كاملاً. لماذا هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد؟ لماذا هذا التمييز بين موظف وآخر في الفئة الوظيفية عينها؟ أي منطق هذا الذي يعطي الموظف الإداري في الفئة الثالثة 60% ويأخذ من أستاذ التعليم الثانوي في الفئة عينها 60% لقاء الزيادة في ساعات العمل. لا حجّة لديكم أيها المسؤولون، لا تتذرّعوا بالكلفة. أين ذهبت كلفة الساعات الإضافية التي كانت تدفع لنا سحابة 32 عاماً، وكيف صرفت؟ لا تتذرّعوا بمعزوفة المديونيّة. ليست حجة لضرب حقوقنا وإفقارنا، لأنها في الحقيقة غطاء لزيادة الأرباح الطائلة التي تلتهم نصف موازنة الدولة فوائد على سندات الخزينة وهي تذهب إلى جيوب أصحاب المصارف والثروات وأصحاب الشركات الكبرى الذين اختطفوا المال العام هدراً وفساداً».
ثم يقدم غريب الحلول: «اخفضوا الفائدة على سندات الخزينة، طبّقوا الضريبة التصاعدية على الأرباح والصفقات العقارية والمضاربات المالية. إن التوافق الذي تنعمون به هو توافق علينا بدل أن يكون معنا. التفتوا إلى الناس، عالجوا مشاكلهم الاقتصادية ـــــ الاجتماعية، ولبّوا مطالبهم بدل الاستمرار بضرب حقوقهم».
(...)

الإضراب يشلّ الثانويات

التزم نحو ستة آلاف أستاذ تعليم ثانوي يدرّسون في 290 ثانوية في بيروت والمناطق، وآخرون يعلّمون في المدارس والمعاهد المهنية بالإضراب التحذيري اليوم وغداً. ومن هؤلاء من التحق بالاعتصام المركزي أمام وزارة التربية في الأونيسكو. هكذا، غاب الازدحام، أمس، عن شوارع طرابلس (عبد الكافي الصمد)، وأقفلت الثانويات الرسمية في مدينتي طرابلس والميناء وضواحيهما أبوابها أمام آلاف التلامذة. ولم يقتصر الإقفال على الثانويات، بل شمل المعاهد الفنية والتقنية الرسمية ودار المعلمين والمعلمات في المدينة، فيما كانت الباصات تقلّ أساتذة ثانويين إلى بيروت. وفي قضاء المنية ـــــ الضنية، أغلقت 12 ثانوية رسمية فيه أبوابها، فلازم أكثر من 3500 تلميذ ثانوي ونحو 1500 تلميذ مهني منازلهم.
أما في بنت جبيل ومرجعيون (داني الأمين) فقد بدت لافتة مشاركة مديري الثانويات الذين انضمّوا إلى تحرك أساتذتهم وانطلقوا جميعاً إلى بيروت. وبرز أيضاً التنسيق بين المعتصمين لجهة توفير وسائل النقل للمشاركين الموجودين في أماكن بعيدة عن نقطة التجمع على طريق السلطانية.
وفي قضاء عاليه ومنطقة المتن، أقفلت المدارس الثانوية بدءاً من ثانوية الشويفات، عرمون، بشامون، القماطية، عاليه، مجدل بعنا، صوفر وعين دارة. وفي منطقة المتن الأعلى: ثانويات حمانا، قرنايل ورأس المتن. وأكد رئيس رابطة المعلمين الابتدائيين في جبل لبنان، كامل شيا، «تضامن الرابطة مع تحرك الأساتذة ودعم كل تحرك مطلبي، مع تأكيد حفظ الفوارق للسلسلة الموحّدة لمعلمي التعليم الرسمي ما قبل الجامعي».
وقد تزامن اعتصام الأساتذة الثانويين مع اعتصام آخر للمتعاقدين في التعليم الثانوي في المكان نفسه. هؤلاء حضروا عند التاسعة صباحاً تلبية لدعوة اللجنة العليا لمتابعة قضيتهم برئاسة حمزة منصور.
منصور نقل للمتعاقدين مضمون لقائه الصباحي ووزير التربية، فأكد «أنّ حل مشكلتهم يكون في اللجان النيابية المختصة، وأن دور الوزارة هو تطبيق القوانين بما يحفظ مصلحة التربية والمواطنين والأساتذة على الأراضي اللبنانية».
وجدد منصور الحديث عن السياسات غير التربوية التي مارستها الوزارات المتعاقبة في حق المتعاقدين. وأولى تلك المظالم، في رأيه، كان إغلاق كلية التربية.
أضاف: «لن نسمح بأن يرمى جيش المتعاقدين هذا في الشوارع، متروكين للفقر والعوز والحاجة. نتوجه إلى نواب الأمة لوضع قضيتنا على جدول أعمالهم، من أجل إنصافنا العادل وإخراجنا من دوّامة الظلم الذي عشناه لعشرات السنين».


عدد الخميس ٢٥ شباط ٢٠١٠

0 comments:



Copyright 2008| FARFAHINNE is powered by Blogger and K2 Beta Two by يساري مصري.
RSS Entries and RSS Comments