رشا أبو زكي
يحاول بعض أركان الحكومة التسويق لفكرة أن زيادة نسبة الـTVA من 10% إلى 12% أو 15%، لن يكون لها تأثير كبير على ذوي الدخل المحدود. والتبريرات عديدة، منها أن الحاجات الأساسية للفقراء معفاة من هذه الضريبة، إلا أن الواقع مختلف، حيث إن ارتدادات هذه الضريبة تطال جميع السلع، وعدد الفقراء سيرتفع بنسبة مهولة!

تتعدّ الضريبة على القيمة المضافة، في تعريفها، ضريبة على الاستهلاك. والمنطق يفترض أن ثقل هذه الضريبة يرتفع كلما ارتفع استهلاك الأسر، بمعنى أن ثقلها الكبير يتركّز لدى الأسر ذات المداخيل المرتفعة التي تستطيع زيادة استهلاكها. إلا أن الواقع في لبنان لا يدعم هذه الفرضية، بل على العكس، فإن تركّز الثروة والمداخيل لدى قلّة من الأسر، في ظل تراجع الدور التوزيعي للدولة، يجعل من ثقل هذه الضريبة لدى الأسر المتوسطة الدخل والأسر الفقيرة مبالغاً فيه إلى درجة تهدد بالمزيد من الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما أكّدته دراسة جاد شعبان في الجامعة الأميركية، التي توصّلت إلى أن زيادة الضريبة إلى 12% تؤدّي إلى زيادة عدد الفقراء من مليون و490 ألف لبناني حالياً إلى مليون و863 ألف لبناني. أمّا إذا ازدادت الضريبة إلى 15%، فإن عدد الفقراء سيبلغ مليونين و680 ألف لبناني، أي أكثر من 50 في المئة من اللبنانيين المقيمين، على أساس أن عدد السكان يبلغ 4 ملايين و139 ألف نسمة، وفق تقرير البنك الدولي في عام 2008!

ضريبة غير عادلة

لا شك في أن الإعفاءات من الضريبة على بعض السلع الغذائية والخدمات، كالتعليم والصحّة والثقافة، هي إعفاءات ضرورية، إلا أن التدقيق فيها يبيّن أن الأسر ذات المداخيل الأعلى هي التي تستفيد أكثر من هذه الإعفاءات. بل إن قانون الضريبة على القيمة المضافة أعفى سلعاً مخصصة للأغنياء، كاليخوت ونشاطات التأمين والمصارف وألعاب المراهنة وبيع العقارات.
وهذه الأمثلة تُسقط الادّعاءات أن الإعفاءات مخصصة للفقراء حصراً. بل إن الوقائع القائمة تثبت أن للإعفاءات كلّها حقائق مغايرة عمّا يُسوّق له. فالإعفاءات تبرّرها أسباب اجتماعية واقتصادية، وهذا بعيد عن الواقع! إذ إن أكلاف الصحة والتربية في ميزانيات الأسر الفقيرة تغطي الجزء الأكبر منها الصناديق الضامنة ووزارة الصحّة والمنح المدرسية والمدارس الحكومية والمجانية وشبه المجانية...

حيث إن إنفاق الأسر الفقيرة على التعليم، مثلاً، لا يتعدى 5،3%، وفقاً لدراسة وزارة الشؤون الاجتماعية عن «الوضع الاجتماعي والاقتصادي في لبنان»، فيما ذوو الدخل المرتفع ينفقون نحو 13،8 في المئة من ميزانياتهم الاستهلاكية.
قد يقول البعض إن الفقراء ومتوسطي الدخل لا يستفيدون كلّهم من التقديمات المتصلة بخدمتي التعليم والصحّة، وهذا صحيح، ولكنه الدليل، في الوقت نفسه، على الثقل الكبير للضريبة، باعتبار أن أكلاف هاتين الخدمتين المعفيّتين من الضريبة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالكثير من المكوّنات التي تخضع للضريبة.
إذ يؤكد رئيس مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية عماد الأشقر أن زيادة الـTVA تؤثر مباشرة على كلفة النقل في المدارس الخاصة، وترفع أسعار الورق وعدداً من المواد الأساسية المستخدمة في المدارس، وهذه القيمة الإضافية تدخل إلى كلفة التعليم، مشيراً إلى أن العمل حالياً يقوم على تعديل القانون 515 الذي يضع أصولاً معينة لتحديد أقساط المدارس، وستؤخذ زيادة الـTVA في الحسبان!
وما ينطبق على أكلاف التعليم ينطبق على أكلاف الصحة أيضاً، فهي تطال، وفق ما تشير مصادر استشفائية، صيانة المعدات الطبية في المستشفيات والعيادات، إضافة إلى ارتفاع أسعار مواد التنظيف وبعض المواد الغذائية والمحروقات، كذلك ترتفع أكلاف بعض عمليات التجميل الضرورية في الكثير من الأعمال الجراحية.

التأثير على مؤشر الأسعار

أما بعض المواد الغذائية غير الموضّبة، والمشمولة بالإعفاء من ضريبة الـTVA، فتطالها هذه الضريبة مباشرة من ناحية أكلاف الإنتاج، إذ إن الأسر الفقيرة تنفق 38 في المئة من إجمالي نفقاتها على المواد الغذائية، وإعفاء هذه المواد من الـTVA لا يجعلها في منأى عنها. فالضريبة مفروضة على المحروقات مثلاً، التي تدخل في تركيب كلفة إنتاج هذه المواد الغذائية ونقلها. أما المواد الغذائية المصنّعة، فأسعارها سترتفع وفق رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية بنفس نسبة زيادة الـTVA، ويشدد نصراوي على أن هذه الكلفة الإضافية سيدفعها المستهلك، فيما سيعاني التجار من المنافسة الشديدة في السوق اللبنانية.
ويؤكد رئيس مركز البحوث والاستشارات كمال حمدان لـ«الأخبار» أن أثر زيادة الـTVA يطال مؤشر أسعار الاستهلاك ويؤثر حكماً على نسبة الأسر التي تعيش على الخطين الأعلى والأدنى للفقر، إذ أثبتت البحوث أن هذا الأثر موجود، بحيث من المتوقع أن ترتفع نسبة اللبنانيين تحت الخط الأعلى للفقر (وفق دراسات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) من 22 في المئة إلى أكثر من 40 في المئة، كذلك فإن هذه الزيادة من الممكن أن تتزامن مع تصحيحات في أكلاف خدمات ومرافق عامة، مثل زيادة معدلات الاشتراك في الضمان، فضلاً عن أن معظم الدراسات تتجه نحو زيادة تعرفات جديدة للكهرباء قد لا ينجو منها الفقراء والطبقة ما دون المتوسطة. ويلفت حمدان إلى أن التضخم انخفض في عام 2009 مقارنة مع عام 2008 حوالى 3 إلى 4 في المئة، لكن عندما يندفع قسم كبير من تعرفات الخدمات العامة نحو الارتفاع ويُتجه نحو زيادة الاقتطاع الضريبي، فيما الفوائد تنخفض ببطء والفروقات مع معدلات الفائدة في الخارج أصبحت شاسعة، ففي هذه الحالة لا يمكن توقع سوى المزيد من المشكلات الاجتماعية مع زيادة الـTVA. ويرى حمدان أن خدمة التعليم تقدم منذ 4 إلى 5 سنوات بنحو شبه مجاني لذوي الدخل المحدود، والإعفاء الضريبي الذي يطالها هو «لزوم ما لا يلزم»، فيما اعتبار الصحة مشمولة بالإعفاء من دون الخروج بنظام تأمين صحي يغطّي جميع اللبنانيين هو ذرّ للرماد في العيون.

30.6% مضمونون
هي نسبة الأُسر التي تضطرّ إلى الاستدانة قبل نهاية كل شهر لتوفير حاجاتها الأساسية، فيما 51.5% من الأسر تنفق كامل الدخل قبل نهاية الشهر، و4.6% تضطر إلى استخدام المدّخرات، وذلك وفق دراسة «الوضع الاجتماعي والاقتصادي في لبنان»

زيادة في سوء توزيع الدخل
رأى الخبير الاقتصادي غسان ديبة في تصريح لـ«الأخبار» أن زيادة الـ TVA إلى 15 في المئة ستؤثّر في رفع أسعار السلع عموماً، بحيث ستحدث زيادة في التضخم لمرة واحدة، أما النتائج، فهي في حصول تأثير سلبي على القدرة الشرائية، لافتاً إلى أن نتائج دراسة أعدّها عام 2004 بيّنت أن الضريبة انعكست زيادة في أعباء ميزانيات الاستهلاك لأصحاب الدخل المحدود بنسبة 7%، فيما ارتفعت في ميزانيات ذوي الدخل المرتفع بنسبة 4 في المئة فقط، وهذا أسهم في زيادة سوء توزيع الدخل، وارتفاع معدّلات الفقر، وانخفاض الاستهلاك لدى الأُسر.

0 comments:



Copyright 2008| FARFAHINNE is powered by Blogger and K2 Beta Two by يساري مصري.
RSS Entries and RSS Comments