تحمل الصحوة المفاجئة لمكافحة الفقر في الشمال نزعة أقرب إلى العنصريّة والتمييز ضدّ الفقراء. فالمتباكون اليوم على حرمان مدينة طرابلس هم صانعو هذا الحرمان، والساهرون على بقائه لسنوات طويلة. وبعد دموع التماسيح التي ذرفها بعض السياسيّين على «أهله» في طرابلس (الحبيبة طبعاً)، وبعد كرنفال السرايا الإنمائي ومسارات السنيورة الستّة، جاء دور المطارنة الموارنة (هل يذكرهم أحد؟) وبيانهم الدوري.يقول السادة المطارنة: «في المدن الكبرى من لبنان خصوصاً، تعيش فئات من المواطنين في حالة فقر مدقعة، والفقر تربة خصبة باندلاع الاضطرابات». ما من جملة أشدّ بلاغةً للتعبير عن الأحاسيس الجيّاشة تجاه فقراء طرابلس. فالفقر ليس مكروهاً بسبب تأثيره السيّئ على حياة الناس الفقراء، بل بسبب تسهيله اندلاع الاضطرابات، وبالتالي تعكير صفو حياة الأثرياء. فلو لم يكن الفقر مولّداً لهذه الاضطرابات، لما كانت هناك أيّ مشكلة في بقاء باب التبانة على بؤسها نصف قرن آخر من عمر هذه الجمهورية.لا يكتفي السادة المطارنة بازدراء الفقراء، بل ينتهزون المناسبة لنفث الحقد ضدّ الشيوعيّة التي عرفت، برأيهم، كيف تستغلّ الفقر لتسيطر على الناس. ليس الموضوع هنا ثأراً قديماً، بل تأكيد للكابوس الذي لا يزال يمثّله الحلم الشيوعي بالنسبة إلى كثيرين. ليست الشيوعية، بالطبع، ما يمثّل خطراً اليوم، إنّما مجرّد الحلم بمواجهة الاستغلال الطبقي هو الذي لا يزال يقضّ المضاجع.لا ذكر للفقراء في بيان المطارنة. إنّه الفقر الذي يولّد الاضطراب، والذي استغلّته الشيوعيّة للسيطرة على الناس. وحين يُذكر هؤلاء «الناس» في البيان، يُذكرون بصفتهم «فئات متطرّفة وغير منضبطة تنتظر من يستأجرها لإثارة البلبلة وإشاعة الاضطرابات، وهي تكتفي بالنزر القليل من المال...»!كان يمكن المطارنة الموارنة أن يكونوا أكثر دقّةً. لكنّهم، هم أيضاً، سقطوا في فخّ الجوّ السياسي المشحون الذي يجعل من الناس بضاعة رخيصة لا قيمة إنسانيّة لهم إلا حين يراد التباكي على الشباب المهاجرين، إذا كانوا من حملة الشهادات طبعاً.
عدد الخميس ٤ آب ٢٠٠٨
عدد الخميس ٤ آب ٢٠٠٨
0 comments:
Subscribe to:
Post Comments (Atom)