الساعة الثانية عشرة ظهراً. وقف أكثر من خمسين عاملاً سورياً على الطريق العام في منطقة المكلّس، بانتظار باص أو سيارة أجرة تقلّهم إلى المصنع أو أي نقطة أخرى ليعبروا الحدود ويعودوا إلى بلادهم. لهؤلاء في كل عرس قرص، «إذا كانت الأوضاع رايقة بهدِّدونا وإذا كان في معارك بيقتلونا» يقول محمّد زيدان، مؤكّداً أنهّ منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تعرّض لتهديدات من «زعران أحياء بيروت» كما يسمّيهم، ما اضطره إلى الانتقال إلى العمل في ورش المتن الشمالي. إلا أنّ الأحداث الأخيرة لم تمرّ على خير رغم تحييد مناطق «بيروت الشرقية» عن الصراع، فبدأ يسمع تهديدات من البعض، لذلك قرّر العودة إلى سوريا، برفقة مجموعة من العمال الذين فضّلوا «النفاد بريشهم قبل أن تصل الموس إلى ذقونهم» يوضح زيدان.
إنها الهجرة المعاكسة إذاً.. السوريون يغادرون بيروت، ومعهم عدد من اللبنانيين الذين أقلقتهم الأوضاع الأمنية المتردية، ولا سيما في الشمال، «نحن نعامل اللبنانيين الذين يقصدوننا بكل احترام ونستقبلهم في بيوتنا»، يقول فخر فخر، الذي مضى على قدومه إلى لبنان أكثر من عشرين عاماً «في حرب تموز أوصيت أهلي بأن يستقبلوا عائلة صاحب الورشة التي أعمل فيها، وبقيت أنا هنا». أما اليوم، فالوضع مختلف تماماًَ، فخر يحبّ لبنان ولكنّ إذا كانت حياته مهدّدة تبقى المغادرة هي الحل الوحيد «ولبنان يبقى بالقلب». والعودة؟ الجواب واضح بالنسبة إلى فخر «عندما يعود أبناء بيروت إلى رشدهم، ويدركون أن العدو الحقيقي ليس سوريا إنما اسرائيل».