ثلاثمائة قتيل وجريح من اللبنانيين واللبنانيات هم ضحايا هذه الجولة الجديدة من حروب الفتن الأهلية لنظام الطوائف اللبنانية؛ وهم أيضاً نتيجة القرارين الذَين اتخذتهما قوى السلطة الحاكمة للبدء بإنهاء خط مقاومة المشروع الأمريكي الإسرائيلي في لبنان.

فمنذ "اتفاق العيش المشترك" عام 1943 والصراع قائم بين برجوازيات الطوائف والمذاهب اللبنانية على تقاسم حصص الثروة والسلطة تارةً سلماً وطوراً بالحرب، وفي كل مرّة يدفع كادحو هذا البلد وفقراؤه ثمن حروب التقاسم هذه من رزقهم وعرقهم ودمائهم.
صولات وجولات كان آخرها تلك التي بدأت بالقرار 1559 عام 2004 معلنةً بدء محاولة هيمنة رأس المال المالي بزعامة الحريرية المتحالفة مع زعماء برجوازيات الطوائف أمراء الحروب الأهلية على السلطة وذلك بفرض الخيار الساداتي الاستسلامي على لبنان، والتي شكّل اغتيال رفيق الحريري محطة حاسمة في الاندفاع نحو فرض هذه الهيمنة بالقوة. وبذلك ضيّع اللبنانيون فرصة التخلص من الوصاية السورية التي كان ينبغي أن تشكل حافزاً لهم على إعادة تأسيس وحدة وطنية داخلية فاستبدلوا الهيمنة السورية بمشروع هيمنة أمريكية يستند إلى مشاريع متناحرة بين برجوازيات سلطة الطوائف الحاكمة.

وانضمت قوى رأس المال المالي المسيطرة إلى عملية بناء الميليشيات العسكرية المذهبية في محاولة للسيطرة على بيروت وتحويلها من عاصمة لجميع اللبنانيين إلى ريف طائفي تقبض عليه مجموعات مسلحة استقدمت لمسك زوايا الأبنية فيه.

في ظل هذا الوضع جاء قرارا السلطة الحاكمة، وخاصة قرار التعرّض لشبكة الاتصالات، ليشكلا غطاءً لجولة بوش في المنطقة وإعلان حربٍ على المقاومة، ووضعا حزب الله أمام أحد الخيارين إما الاستسلام وأما المعركة مما أشعل فتيل المواجهة الداخلية المسلحة.

لم تنجح السلطة الحاكمة في تمرير قراريها فالمناخ الإقليمي لم يكن ملائماً لذلك خاصة وأن تقاطع المصالح الأمريكي الإيراني كان قد بدأ يؤتي ثماره في العراق، مما سمح لحزب الله باستخدام القوة العسكرية لفرض الانكفاء على قوى الخيار الساداتي والهيمنة السعودية على لبنان.

ولكن......دفع لبنان الثمن باهظاً من رصيد وحدة نسيجه الاجتماعي وإمكانية تطوره الديمقراطي. لقد جرّت أحداث بيروت والجبل والشمال سلاح المقاومة إلى معترك الحروب الأهلية الداخلية ففقد بذلك جزأً من مشروعيته الوطنية. وها هو الانقسام الطائفي والاصطفاف المذهبي الذي يساهم فيه جميع الفرقاء يبلغ مستويات لم يعرفها لبنان من قبل، ويبرز معه خطر القوى الأصولية في جميع الطوائف، بالإضافة إلى ممارسات ذات نزعة استبدادية معادية للحريات العامة وخاصة الإعلامية منها، مما يضع البلد على عتبة انفجار جولات جديدة من الحروب الأهلية لاحقاً.

وإذا كان المتحاربون قد رضوا بمبادرة عربية بائسة ووساطة قطرية سخية فان نتائج الحوار وضعت اللبنانيين أمام خيارين أما الحرب الأهلية وأما القبول بتسوية توقف الأعمال العسكرية ولكنها تجدد نظام برجوازية الطوائف إياه، وأقصى ما يمكن أن يتمناه اللبنانيون في ظل غياب يسار ثوري جماهيري فاعل وقوى علمانية ديمقراطية ناشطة، هدنة قد تقصر أو تطول بين جولتين من الحروب الأهلية الدورية.

يبقى الخاسر الأكبر هو اللبنانيون في مستوى معيشتهم الذي يتناقص يوماً بعد يوم بعد أن أطلقت الأحداث رصاصة الرحمة على الإتحاد العمالي العام. ففي خضم الأحداث الجارية ضاعت التحركات المطلبية وارتفعت الأسعار مجدداً بدون حسيب أو رقيب، والأغلب إن من تقاسم السلطة في الدوحة لن يجد حلاً للأزمة المعيشية إلا بالمزيد من الاستدانة عبر باريس-3 وتدفيع اللبنانيين مرة أخرى ثمن الهدنة والحروب القادمة.


إن اللقاء اليساري التشاوري يدعو الشعب اللبناني إلى تبني المهمات النضالية التالية:

1. العمل على رفض الاحتكام إلى السلاح لحل الخلافات السياسية مهما كانت الأسباب

2. التضامن مع سلاح المقاومة في وجه المشروع الأميركي- الإسرائيلي ومحاولات تعطيل دوره في الصراع العربي- الإسرائيلي بما يسهل فرض الخيار الساداتي الاستسلامي على لبنان

3. تعزيز خط "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" وتنوعها بالوسائل المدنية الديمقراطية كي تصبح مقاومة وطنية اقتصادية اجتماعية ثقافية سياسية شاملة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي تشمل جميع اللبنانيين

4. النضال لأجل بناء حركة نقابية مستقلة ومنغرسة في صفوف الكادحين والمنتجين وقادرة على قيادة نضالاتهم على أساس مصالحهم الطبقية والوطنية في آن معاً

5. النضال لأجل تجاوز نظام الطوائف نحو نظام علماني ديمقراطي يؤمن للأجيال القادمة إمكانية العيش بعيداً عن خطر الحروب الدورية، وذلك بتفعيل مؤسسات الدولة (مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي وغيرها) وتحقيق البنود الإصلاحية في اتفاق الطائف واعتماد قانون مدني للأحوال الشخصية ونظام انتخابي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي مع التمثيل النسبي

6. النضال من أجل رفع مستوى معيشة اللبنانيين وعدم تحميل كادحي البلد ومهمشيه فواتير الحروب الأهلية المتكررة وذلك باعتماد السلم المتحرك للأجور والضريبة التصاعدية.مرة أخرى يتأكد للبنانيين ضرورة تغيير نظام 1943 الطائفي الذي لم يعد لديه ما يقدمه لهم سوى تدهور دائم في مستوى المعيشة وتهديد دائم بالحرب الأهلية ومحاولات دائمة لبعض أطرافه الانسلاخ عن قضايا المنطقة العربية والالتحاق بالمشروع الأمريكي الإسرائيلي

0 comments:



Copyright 2008| FARFAHINNE is powered by Blogger and K2 Beta Two by يساري مصري.
RSS Entries and RSS Comments